جمع أم نزع (2-2)
المرحلة الأولى لخطة جمع السلاح من مواطني دارفور وكل السودان، لأن جمع السلاح من دارفور وحدها لن يحل المشكلة وتحتاج إلى همة وقناعة من قبل ولاة دارفور بضرورة أن يصبح جمع السلاح أولوية أولى.. وفي ذات الوقت يجب دراسة الأسباب التي أدت لفشل خطة العقيد “الطيب إبراهيم محمد خير” حاكم دارفور في تسعينيات القرن الماضي حينما خطط لتجفيف السلاح من أيادي المواطنين، وقد نقل التلفزيون حينذاك صوراً لأسلحة قديمة صدئة سلمها بعض المواطنين إلى السلطات و(قبضوا) مقابلها قليلاً جداً من المال واحتفظوا بالأسلحة المتطورة (ليوم كريهة)..
والسلاح الذي تعتزم الحكومة جمعه طوعاً ثم جبرياً في دارفور من أين مصدره؟؟ الإجابة إن (90%) من السلاح الذي بيد المواطنين هو سلاح حكومي، أما ذهب إلى المواطنين برغبة الحكومة التي وجدت في يوم من الأيام نفسها عاجزة عن مواجهة التمرد ولجأت لمواطنيها لمساعدتها في صد هجمات المتمردين وليس في ذلك عيب ولا منقصه فالحكومة هي من الشعب وإليه.. وبعض الأسلحة استولت عليها قوات التمرد في العمليات العسكرية التي جرت بينها والقوات الحكومية وجزءً من الأسلحة جاءت بها الحركات المسلحة من دول الجوار.. وخاصة ليبيا وتشاد وكثير من الأسلحة (اشتراها) المواطنون بحُر مالهم لحماية أنفسهم وثرواتهم بعد إحساسهم بعجز الدولة عن حمايتهم وحماية ثرواتهم الحيوانية وهي ثروات للسودان ويمتلكها الفرد ملكية اسمية فقط.
ولذلك شرط نجاح حملة جمع السلاح يبدأ أولاً بتأمين القرى من هجمات الجنجويد وما تبقى من التورابورا وإقامة نقاط تأمين للأسواق والقرى ومضارب البدو الرُحل.. لأن إحساس المواطنين بالأمن والطمأنينة يجعل حمل السلاح عبء عليهم.. وإذا كنت تحمل بندقية في سيارتك أو دابتك فإن هذه البندقية في لحظة تمثل لك مصدر طمأنينة من عدو متربص وفي لحظة أخرى تمثل مصدر خوف إذا أستتب الأمن وبسطت الدولة سيطرتها على الإقليم الذي عرف من قبل بإقليم العذاب.
وحتى تنجح حملة جمع السلاح فإن الدولة مطالبة بإنفاق أموال ضخمة جداً لشراء السلاح من المواطنين بأسعاره الحقيقية وهنا يمكن للدولة إشراك المجتمع الدولي الذي ساهم في إِشعال حرب دارفور وساهم في إيقافها وعليه اليوم مسؤولية في نشر السلام والطمأنينة والمساعدة في تجفيف الإقليم من السلاح.. وحكومة السودان لوحدها لا تستطيع شراء كل الأسلحة التي بيد المواطنين ويمكن للأمم المتحدة أن تساهم بمليارات الدولارات في هذه الحملة التي ينبغي أن تتحملها الحكومة السودانية وحدها.. والسؤال أين دور الدول العربية التي يقاتل أبناء دارفور في اليمن باسمها؟
إذا كانت الدول العربية باستثناء قطر قد أمسكت مالها عن تعمير دارفور فإنها مطالبة اليوم ببذل القليل من ما في خزائنها لتجفيف السلاح من دارفور وبعد هذه المرحلة الطوعية تبدأ المرحلة الأخيرة وهي عمليات النزع الجبري وتلك مرحلة سيأتي الحديث عنها بعد انقضاء المرحلة الأولى التي ينبغي أن يساهم المجتمع العريض في نجاحها.. الصحافة تكتب وتنقل نبض أهل دارفور بحرية تامة والشعراء ينظمون القصائد التي تحرض على نبذ السلاح وأن يساهم القطاع الثقافي والفني في دعم وإسناد الدولة لإعادة الطمأنينة لإقليم دارفور وذلك ليس ببعيد إذا ما خلصت النوايا وصدقت الأعمال من أجل السلام.