القصة الكاملة لتخريب المعارضة لعلاقات الإنقاذ بنظام منغستو
مزيد من الأسرار والتفاعل في كتاب
الصراع السياسي في السودان
“مبارك الفاضل” يتهم صحافي معارض بنقل معلومات عنه للسفارة السودانية في أديس
حديث السبت
بعد أن طويت صفحات قراءة وتحليل لبعض ما اعتقدت أنه مهم من كتاب السيد “مبارك عبد الله الفاضل” الصادر مؤخراً باسم (ماذا جرى)؟؟ أسرار الصراع السياسي في السودان.. طلب الأخ الصديق الأستاذ “الهندي عز الدين” مواصلة قراءة في سطور الكتاب وذلك تلبية لرغبة الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في بلادنا ونظراً لمحدودية ما تمت طباعته من الكتاب وغيابه من المكتبات السودانية، ثم الأوضاع الاقتصادية التي تجعل من المستحيل على طبقة القراء وهم من المسحوقين اقتصادياً القدرة على شراء كتاب على حساب لبن الأطفال وصحن الفول وشعيرية العشاء في الليالي الماطرة.. والأخ “الهندي” تجمعني به الصداقة والزمالة والاحترام المتبادل.. نكتب في (المجهر) دون وصاية ولا رقابة من الناشر نختلف في تقديراتنا ونحتفظ بعلاقات حميمة.. لذلك نسرد في حلقات قادمات تفاصيل وخفايا وأسرار وردت في كتاب “مبارك الفاضل” الذي يمثل مرجعية مهمة لمشهد من تاريخنا الوطني.. وقد آثر أغلب المعارضين الصمت والتواري عن تاريخهم وتاريخ نشاط أحزابهم في الخارج والداخل، ومما يزيد من أهمية كتاب “مبارك الفاضل” اعترافات الرجل الجهيرة بالعلاقة بين حزب الأمة القومي ونظام الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي”.. والعلاقة مع الحركة الشعبية وحكومات دول الجوار خاصة إثيوبيا ويوغندا وكينيا وشهادات “مبارك الفاضل” ليست كتاباً مقدساً ولا هي الحقيقة المطلقة.. بقدر ما هي رواية لسياسي ظل فاعلاً في المعارضة الخارجية لسنوات طويلة.
{ واقعة إفشاء الصحافي “طه النعمان” لوجود “مبارك” في أديس
في صفحة (86) من الكتاب يسرد “مبارك الفاضل” وقائع مهمة حول الاختراق الذي قام به شخصياً لجدار العلاقات بين الحكومة السودانية والنظام الإثيوبي السابق بقيادة “منغستو هيلامريام” وكيف أوصدت إثيوبيا أبوابها في وجه معارضي الإنقاذ في بدايات عهد “البشير” في السلطة، ويقول “مبارك” كانت إثيوبيا محطة مهمة لتأسيس معارضة فعالة فقد كانت المركز الرئيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان ومدخل قرب من قلب شمال السودان، ومركز السلطة فيه وقد ظلت حكوماتها تدعم الحركات المعارضة للخرطوم باستمرار بسبب دعم الخرطوم للحركات الاريترية ولهذه الأسباب ركز نظام الإنقاذ جهوده عليها وأكثر من زياراته لها.. وقد صادف ذلك هوى في نفس “منغستو هايلي مريام” الذي كان يسعى لإيجاد تسوية مع السودان نتيجة للضعف الذي أصاب النظام من جراء الهزائم على جبهات القتال والتحولات في المعسكر الشرقي حليفهم، ورغم هذه التطورات كان لا بد من زيارة إثيوبيا لمقابلة قادة الحركة الشعبية وفتح حوار مع نظام “منغستو” وقد كانت زيارتي لإثيوبيا في تلك الظروف مخاطرة في حد ذاتها إذا اتصلت بوزير الداخلية والأمن الإثيوبي “قبري هيلاسيلاس” بمنزله وطلبت منه تأشيرة دخول لإثيوبيا فأخبرني بأنه لا يستطيع منحي التأشيرة من السفارة في لندن، ولكنه يمكنه أن يصرح لي بالدخول في المطار إذا حضرت لإثيوبيا لم استسغ هذا الكلام وأخذته بشيء من الريبة والشك خاصة وإن وفود النظام السوداني كانت تأتي وتذهب إلى إثيوبيا بشكل مستمر فاتصلت بالأخ “نجيب الخير عبد الوهاب” وكان وقتها قنصلاً بأديس أبابا، وكذلك اتصلت بالسفير الليبي “خليفة يازيليا” وكان صديقاً عزيزاً قضى بأديس أبابا فترة طويلة تزيد عن العشر سنوات وطلبت منهما أن يقوما بتقدير موقف لي والإجابة على التساؤل الآتي هل إذا حضرت إلى أديس سأخرج منها سالماً؟؟ فطلبوا مني أن أمهلهم ثلاثة أيام وفعلاً بعد انقضاء تلك المدة أبلغوني بأنني يمكنني الحضور، وأضافوا بأنهم سيكونوا في استقبالي داخل المطار تفادياً لأي حدث، وذكر لي السفير “خليفة” بأنه لن يكون موجوداً لكن نائبه السيد “علي عوايدان” سيكون في استقبالي فقبلت بالمخاطرة وقررت التوجه لإثيوبيا، هنا نتساءل كيف لدبلوماسي في الخارجية يتولى منصب القنصل في السفارة بأديس أبابا يفتح قنوات اتصال مع المعارضة التي تعمل لإسقاط الحكومة التي يعمل فيها ممثلاً لها دولة خارجية ونعني بذلك السفير “نجيب الخير عبد الوهاب” المعروف بانتمائه لحزب الأمة وانتقاله من بعد ذلك إلى صف المعارضة قريباً من “مبارك الفاضل”؟؟ وهل مثل هذا السلوك هو الذي أعطى الإنقاذ مبرراً لإشهار سيف العزل من الخدمة المدنية والطرد من الوظائف العامة.. ثم إن السيد “مبارك الفاضل” يستخدم ضمير المثنى حينما يتحدث عن طلبه منهما، أي الدبلوماسي “نجيب الخير” والسفير الليبي في أديس أبابا؟؟ فهل كان “نجيب الخير” وهو في منصب القنصل بسفارة السودان في أديس أبابا على اتصال وتنسيق مع سفير وسفارة دولة أخرى؟؟
يمضي “مبارك الفاضل” في كتابه القيم وفي صفحة (87) يقول في طريقي إلى إثيوبيا التقيت بوزير شؤون الرئاسة الإثيوبي “فكري سلاس” بمطار فرانكفورت، فقررت أن لا أبادر لتحيته حتى لا أسبب له حرجاً، ولكنه جاء إلىَّ وربت على كتفي فالتفت إليه وسلم علىَّ بحرارة، ثم ركبنا الطائرة وجلسنا متجاورين ودار بيننا حوار طويل، وعند وصولنا ونزلنا بمطار أديس خرج بصالة كبار الزوار وخرجت بالطريق العادي مع بقية الركاب، فأرسل إلى سكرتيره ليساعدني في عملية الخروج.. انتظرت بالمطار حتى يتم الاتصال بوزير الداخلية الذي كان في اجتماع المكتب السياسي فحضر إلى السيد “علي عويدان” القائم بالأعمال الليبي حسب الصلة والعلاقة الشخصية مع السفير “خليفة” والترتيب الذي أعده لي قبل سفره كما حضر الأخ “نجيب الخير” فقلت لـ”نجيب” يستحسن بك أن تغادر فقد يراك أحد أفراد السفارة السودانية بصحبتي ويتسبب ذلك في فصلك من الخدمة، ولكنه بدأ متوتراً وكان لا يريد مفارقتي فقال له السيد “عويدان” إن المطار يعج بمجموعة من رجال السفارة السودانية، فسوف يكتشفون أمرك فمن المستحسن أن تغادر وبالفعل غادر “نجيب الخير” الصالة لكنه ظل يعود ليطل علينا كل لحظة حتى خرجنا من المطار، وكنت قد انتظرت في المطار نحو ساعة حتى خرج وزير الداخلية من اجتماعه ثم منحني تأشيرة دخول، وقد أوصاني بعدم الظهور علناً والتخفي ما استطعت نزلت بفندق قيون الذي يمتاز بملحقاته الخارجية التي تجنبك المرور بالاستقبال مما يقلل من فرص ظهوري هناك، فقط كان يعرف مكان إقامتي بالفندق كل من “نجيب الخير” و”علي عويدان” وقد زارني في مقر إقامتي هناك وفد من الحركة الشعبية.
ولم تعرف السفارة السودانية بوجودي إلا بعد أن أفشى ذلك الخبر الصحافي “طه النعمان” وحدث ذلك حينما جاءني الدكتور “منصور خالد” واقترح علىَّ مقابلة الصحافي الأستاذ “طه النعمان” فرفضت ذلك بحكم سرية وجودي بإثيوبيا ولكن الدكتور “منصور” أصر على تلك المقابلة وأكد لي بأن “طه النعمان” لن ينشر خبر وجودي بأديس أبابا، وكنت حريصاً على عدم معرفة وجودي هناك حسب اتفاقي مع وزير الداخلية الإثيوبي حتى لا أتسبب في حرج لهم، ولكن خيب “طه النعمان” ظن “منصور خالد” فأفشى السر فبعد أن ألتقاني ذهب مباشرة إلى السفارة السودانية في أديس أبابا وأخبرهم بوجودي، ولم يكن يدري أن أحد رجالنا موجود بالسفارة وهو الأخ “نجيب الخير عبد الوهاب”.
{ الاتهام ودفاع “طه النعمان”
عرفت “طه النعمان” كصحافي منذ سنوات وكان مديراً لمكتب صحيفة الاتحاد الظبيانية بالخرطوم.. ومن ثم التقينا في صحيفة (آخر لحظة) أيام صيتها وذيوعها وشبابها، وهذا لا يقلل من دور الأستاذ “عبد العظيم صالح” الذي لولا وجوده وزملاء آخرين لاندثرت الصحيفة الناجحة.. ووشائج المهنة دفعتني للاتصال بالأستاذ “طه النعمان” لاستجلاء حقيقة الحادثة التي أثارها الأخ “مبارك الفاضل” وهي حادثة تطعن في ذمة الصحافيين بتصويرهم كمصادر لنقل الأخبار لسفارات السودان بالخارج وللحكومة بالداخل وأيضاً للمعارضة والدوائر الأجنبية مع أن السياسيين ينقلون عن بلادهم كل شيء ولا يسألهم أحد.. لذلك حرصت على تلقي إفادة من الأستاذ “النعمان” هنا.. من أجل الحقيقة وتبرئة ذمة كل الصحافيين، فقال إنه فعلاً سعى للقاء “مبارك الفاضل” في ذات الوقت كان قد أجري حديثاً استقرأ فيه رؤى وأفكار “جون قرنق” الذي كان متواجداً في أديس أبابا، ويقول “النعمان” إن “جون قرنق” كان زاهداً في لقاء “مبارك الفاضل” رغم إلحاح ابن “المهدي”.. ويضيف إنه صحافي مستقل لا علاقة له بالمعارضة ولا الحكومة لذلك ذهب إلى السفارة السودانية في أديس أبابا والتقى السفير “نافع عثمان نافع” قبل لقاء “مبارك الفاضل” ووجدت خبر وصول “مبارك” لأديس أبابا عند أفراد السفارة الذين حدثوني بخبره ومكان إقامته في فندق قيون الذي يرتاده الأثرياء ورجالات الأعمال، وقال “طه النعمان” حينما التقيت “مبارك الفاضل” في الفندق كان الدبلوماسي “نجيب الخير عبد الوهاب” مختبئاً في غرفة “مبارك الفاضل” ويسترق السمع لرصد ما أقوله مع “مبارك الفاضل” وهو موظف دولة ويمثل حكومته وليس معارضتها.. وقال إن “نجيب الخير” هو من أوشى لـ”مبارك” بأنني نقلت خبر وصوله للسفارة السودانية التي كانت تعلم مسبقاً بوصول “مبارك” لأديس أبابا.
{ تخريب العلاقة مع إثيوبيا
يقول “مبارك الفاضل” في صفحة (88) من الكتاب أجريت أول اتصال بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان اتصالاً هاتفياً في أغسطس 1989م، من العاصمة البريطانية لندن، وكان معي الأخ “دينق ألور” وقد دعاني بعد التشاور مع “جون قرنق” إلى الاجتماع في أديس أبابا في الخامس من سبتمبر 1989م، وبالفعل أوفدت الحركة الشعبية وفداً للقائي مكوناً من “نيال وليم دينق” والدكتور المرحوم “جاستن ياك” وحسب اتفاقي مع “دينق الور” تلفونياً أخبروني بأنهم جاءوا موفدين من د.”جون قرنق” فقمت بعرض وجهة نظري وقلت لهم إني أرى أما أن نصل إلى تحالف إستراتيجي ورؤية حول العمل المشترك، وذلك بعد تقديم تنوير عن انقلاب الإنقاذ وموقف القوى السياسية، وقبل السفر ولقاء الحركة الشعبية أخطرت السيد “الصادق المهدي” ود.”عمر نور الدائم” بأني ذاهب للحركة وسأطرح عليهم خيارين التنسيق أو التحالف الإستراتيجي معها، وأريد وجهة نظركما أو رأيكما ولا بد أن يكون ذلك مكتوباً وبالفعل تم إرسال الخيار مكتوباً بخط يد السيد “الصادق المهدي” وموقعاً باسمه الحركي “عبد الواحد” نفوضك لإجراء الصفقة على الحد الأقصى.
وبعد ذلك جرت مقابلة هامة مع وزير الداخلية والأمن الإثيوبي “قبري هيلا سيلاسي” وتم الاتفاق معه على إجراء المقابلة بمنزل السفير الليبي، وقد كان السفير الليبي غير متواجد في أديس وتمت المقابلة في منزل السفير في حضور السيد “علي عويدان” وقد حضر الوزير الإثيوبي يقود سيارته بنفسه وكان حريصاً على أن يكون بمفرده، وقال لي سأتحدث إليك بصراحة نحن في إثيوبيا نمر بظروف صعبة وإن أحد الحلول المتاحة لنا الآن هو الاتفاق مع النظام في الخرطوم، ولكن تواجهنا مشكلة حقيقية في التفاهم معهم يمكننا من الاتفاق معها فضحكت، وقلت له الذين يأتون إليكم ليسوا ممن يمسكون زمام الأمور في السودان وهم غير مفوضين للبحث عن اتفاق، ولكن للتمويه عليكم وأن من قام بالانقلاب وهو الجبهة الإسلامية وليست المؤسسة العسكرية وإن الموقف الرئيسي اتجاهكم وفقاً لاجتماع المجلس الأربعيني الذي تسرب هو أنه لشرف لهم هزيمة إثيوبيا الماركسية (أقرأ هذه الوثيقة) وسوف تتضح لك التمثيلية وقمت بإعطائه نسخة من وقائع اجتماع المجلس الأربعيني للجبهة الإسلامية وهذه المسألة كانت نقطة تحول في مسار العمل الخارجي لأنها ساهمت في تغيير الموقف الإثيوبي، إذ إن الإثيوبيين كانوا حريصين على الاتفاق مع النظام لدرجة أنهم لا يريدون أن تعرف الخرطوم مقابلتي، لهم خلاصة الأمر أن لقائي بالحركة الشعبية والحكومة الإثيوبية كان مبشراً واستطعت الخروج من إثيوبيا بدون أية مشاكل.
واعترافات “مبارك” المهمة في هذه الصفحة أن المعارضة هي التي ساهمت في تخريب علاقات السودان بدول الجوار، وإن ليبيا في ذلك الوقت كانت عبر سفاراتها هي الحاضن للمعارضة كلياً لدرجة أن اجتماع القيادي “مبارك الفاضل” بوزير الداخلية الإثيوبي تم بمنزل السفير الليبي في أديس أبابا.
وفي صفحة (89) يكشف “مبارك الفاضل” عن خيوط التواصل مع كل أطراف المعارضة ومحاولة جمعها في صعيد واحد لمواجهة النظام، وكيف حاول تقريب المسافات بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحركة الشعبية، ويضيف في أكتوبر 1989م، وافقت الحركة الشعبية على المقترح المقدم لها بشأن العمل المشترك واقترحت أن نقوم نحن بدعوة بقية القوى السياسية المعارضة للانضمام إلينا في أديس أبابا، فقمت بعملية اتصالات واسعة للتحضير لهذا الاجتماع فاتصلت بالسيد “بدر الدين مدثر” عضو القيادة القومية لحزب البعث والمنسق العام لفرع الحزب بالسودان، وأخبرته بأننا بصدد عقد اجتماع بأديس أبابا للاتفاق مع الحركة الشعبية، فقال لي بأنه سيحضر إلى لندن وسيترك لي رسالة مع “شوقي ملاسي” فور وصوله، ثم تحدثت مع “خالد حسن التوم” ممثل الحزب الشيوعي في بريطانيا وكذلك الأخ “فاروق أبو عيسى” وأرسلت رسالة إلى السيد “محمد عثمان الميرغني” لذات الغرض فقام بتسميعه د.”محمد الختم يوسف” وهو طبيب في كلية الطب بالكويت، ومن جانبي كلفت البروفيسور “يونس عبد الله مختار” بالبحث عن رقم هاتفه في الكويت، وفعلاً تحصل عليه فأكد لي التزامه مع السيد “الميرغني” ولكنه قال انه لم يتلق إخطاراً منه بهذا التكليف، وهكذا لم تسفر هذه الاتصالات عن شيء نسبة لتردد هذه التنظيمات وعدم مقدرتها على اتخاذ قرار بشأن التحالف مع الحركة الشعبية التي تحمل البندقية، لذلك عند حضوري في المرة الثانية إلى أديس أبابا التقيت مع الحركة الشعبية في ديسمبر، فقالوا لي نتفق نحن وأنتم في حزب الأمة وتقوموا أنتم بدوركم بالاتصال ببقية القوى للانضمام للاتفاق.
وفي يناير 1990م، قمت بإقناع الإخوة الليبيين بضرورة دعوة الحركة الشعبية إلى ليبيا فتمت موافقتهم وبالفعل وصل إلى ليبيا وفد من الحركة الشعبية مكون من العم “لوال دينق” عضو القيادة العليا للحركة الشعبية والأخ “جيمس واني أيقا” والأخ “ماريو مورو” المحامي الذي انتقل إلى جوار ربه وهو في ريعان الشباب، فقالوا لي (لقد أوصانا د.”جون قرنق” بتكملة الاتفاق معكم فعقدنا اجتماعاً بيننا في بادئ الأمر ثم شكلنا وفداً مشتركاً في مواجهة الليبيين وتم توقيع الاتفاق بيننا في حزب الأمة مع الحركة في ذلك الوقت ولكننا لم نعلن عنه أو ننشره في أجهزة الإعلام إلا بعد شهر تحديداً في فبراير 1990م، في أديس أبابا بعد أن أخضع لبعض التعديلات الطفيفة من الدكتور “رياك مشار” نائب رئيس الحركة الشعبية والدكتور “لام أكول” مدير مكتب الحركة آنذاك في أديس أبابا وكبير المفاوضين باسمها في تلك الفترة، وقد نص الاتفاق على تحالف إستراتيجي بين حزب الأمة والحركة الشعبية لتحرير السودان وإقامة نظام ديمقراطي جديد في السودان بعد إسقاط نظام الإنقاذ الانقلابي وتحقيق السلام، كما نص الاتفاق على دخول الحركة الشعبية إلى التجمع الوطني الديمقراطي بعد مراجعتها للميثاق والاتفاق على تضمين رؤياها فيه نسبة لأنها لم تشارك في وضعه من البداية، شكل هذا الاتفاق اختراقاً تاريخياً مهماً في ساحة العمل السياسي المعارض في السودان، وقفل الطريق على محاولات نظام الإنقاذ الانقلابي في التواصل لاتفاق منفرد مع الحركة الشعبية يفتح للنظام الانقلابي المجال لفك عزلته وإعادة تسويق نفسه للمجتمع الدولي على خلفية تحقيقه للسلام في السودان. كذلك حسم هذا الاتفاق أمر قيادة المعارضة لحزب الأمة وجعل بقية القوى تلتف حوله بعد أن كانت متحفظة تراودها نزعة عدوانية تسعى لتحميل حزب الأمة مسؤولية ضياع الديمقراطية، وعزله من وضعه الطبيعي في قيادة المعارضة.
بعد هذا الإنجاز عقدت أول لقاء مطول مع الدكتور “جون قرنق مبيور” بمنزل الأخ “دينق ألور” في أديس أبابا بحثنا فيه الخطوات المطلوبة للنضال بعد أن تبادلنا الرأي حول تقييم الوضع السياسي في السودان.