رأي

بعد… ومسافة

حزب البحث عن فضيحة!
مصطفى أبو العزائم
 
أنت مع الحكومة؟ هذا شأنك – أنت معارض هذا أيضاً شأنك، وإذا كنت في صف المؤيدين الداعمين فإن هذا لا يتطلب منك أن تؤيد تأييداً أعمى، وأن تنساق مثل البهائم من غير عقل أو تفكير، فالمشروع الحضاري أو الفكري أو السياسي أو الثقافي يحتاج إلى عقل يستوعب حتى يعبر عنه اللسان، وحتى لا يصبح مؤيداً ذلك المشروع مثل (الأطرش في الزفة)، ومسألة التوعية وتربية الكوادر الحزبية والسياسية هي مسؤولية عظيمة وضخمة، نجدها أكثر خلف أسوار الأحزاب العقائدية يميناً ويساراً، ونجدها لدى الأحزاب القومية مثل الحزب النازي في ألمانيا، ومثل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس على هذا المفهوم القومي الذي حصر قضيته في الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وقد رأينا أن بعض أحزاب البعث القطرية قد غيرت من الشعار القديم شبه المقدس، قامت بحذف كلمة العربي التي تعقب دائماً اسم الحزب، فأصبح الحزب ينتمي إلى الوطن الذي يمارس فيه نشاطه، لذلك أصبح لدينا حزب بعث سوداني – اسماً – وإن لم يتغير الأساس الفكري أو المفهوم الحقيقي لرسالة الحزب ونهجه وبرنامجه العام.
نعود لموضوع المعارضة للنظام، ونقول إن معارضة نظام الحكم حق كفله الدستور لمن أراد ذلك عن طريق الممارسة السياسية السلمية من خلال التنظيمات الحزبية والمنظمات السياسية التي تحرص دائماً على الترويج لبرامجها السياسية، وتوجيه سهام النقد للحكومة سواء كانت تقوم على حزب واحد صاحب أغلبية مطلقة، أو كانت تقوم على مجموعة أحزاب مؤتلفة توافقت على برنامج عام يعبر – على الأقل – عن غالبية المواطنين.
مارس حزب البعث السوداني حقه الدستوري في معارضة الحكومة، ولم يكتفِ بالفرجة والنقد من وراء الأبواب مثلما تفعل أحزاب المعارضة الكسولة، بل اتجه نحو مخاطبة الشارع السوداني مباشرة عن طريق الصحافة بإصداره لصحيفة (البعث السوداني) الأسبوعية والتي يرأس مجلس إدارتها ويرأس تحريرها في ذات الوقت صديقنا وزميلنا الرفيق “محمد وداعة” وحرصت الصحيفة التي حملت شعار (لا ديمقراطية بلا استنارة)، حرصت على أداء صحفي حقيقي في ذات الوقت الذي حرصت فيه على لعب دورها المطلوب كصحيفة ناطقة بلسان حزب سياسي، وأصبحت صحيفة ثائرة بعض صفحاتها أقرب للمنشورات السياسية، وهنا مكمن الخلل الذي ربما جعل هناك بعض التحفظات لدى البعض حول الأداء المهني للصحيفة.
لا نريد إطلاق الحديث على عواهنه، فهناك مثال صارخ لما أشرنا إليه، وهو عدد الصحيفة الصادر في الرابع والعشرين من شهر يوليو المنصرم، وقد تضمن تقريراً استند على صور من موقع الحدث، وقد رفعته عناوين ضخمة بارزة وقوية حول سعي الحكومة للتطبيع مع إسرائيل من واقع نحسب أنه مُتَخيّل وبعيد كل البعد عن الحقيقة، إذا جاءت العناوين التي أشرنا إليها كما يلي: (الخرطوم) تؤهل مقابر اليهود وتتأهب للتطبيع) و(الخرطوم ترصد ملايين الجنيهات لترميم مقابر اليهود)، وفي هذا ربط مخل بين (الفعل) الذي قامت به حكومة ولاية الخرطوم، وهو ترميم وصيانة مقابر اليهود التي بدأت بإزالة السكن العشوائي داخلها وإزالة العشوائيات الأخرى المتمثلة في أكشاك صيانة وتركيب زجاج السيارات، ومثلما أشرنا فإن هناك ربطاً مخلاً بين هذا الفعل وبين استنتاجات وتوقعات قادة الحزب التي تقول بأن اهتمام الخرطوم بمقابر اليهود إنما يعني تغييراً في نظرة الخرطوم للكيان الصهيوني، ويؤكد – بناء على سياسيين ومراقبين لم تسمهم الصحيفة – على أن الحكومة تتجه نحو التطبيع مع إسرائيل رغم تكرار النفي على ألسنة مسؤولين كبار بالنظام الحاكم.
وسرعان ما التقط رئيس حزب البعث السوداني الأستاذ “يحيى الحسين” القفاز ليحذّر الحكومة من الالتفاف على مشاعر الشعب السوداني، والانخراط في التطبيع استجابة لضغوط خارجية، بل نصح رئيس البعث السوداني الحكومة بأن تتجه للداخل والتصالح مع شعبها بدلاً عن الجري وراء السراب.
بالله عليكم هل رأيتم استغفالاً للناس أكثر من هذا؟.. وهل رأى أحدكم تزييفاً للواقع أكثر من هذا؟.. حكومة ولائية تقوم بعملها الذي تسأل عنه أمام الله ومن هم أعلى رتبة ودرجة في نظام الحكم، وتسأل عنه أمام المجلس التشريعي، ليتم تفسير ذلك بأنه ترتيب لأوضاع جديدة تتمثل في التطبيع مع إسرائيل! مع ملاحظة أن الصحيفة أشارت إلى أن مديرة وحدة المنطقة الصناعية “عرفة محمد الحاج” كشفت عن أن هناك عدداً من الأسر اليهودية ما زالت بالخرطوم وأم درمان سيتم الاتصال بهم للإشراف على المقابر والعناية بها!
دعك مما سبق.. وتعالوا نراجع حديث رئيس الحزب الذي حذّر الحكومة من الالتفاف على مشاعر الشعب والانخراط في التطبيع استجابة لضغوط خارجية والذي نفهم من حديثه أن لديه معلومات حول هذا الأمر، لذلك نطالبه ونطالب الحزب بإثبات تلك الاتهامات، وإلا فقدت الصحيفة مهنيتها وفقد الحزب مصداقيته!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية