الراحلة "مهدية" ولها من اسمها نصيب!
رجاء حسن خليفة
ما زالت أصداء رحيلها المفاجئ تملأ النفس بالحزن والأسى على فراقها المر، والعزاء والسلوى أنها في رحاب الله الرحيم الغفور الودود؛ الحي الدائم الباقي وكل من سواه فان وإلى زوال، فنسأله مرة بعد أخرى للراحلة المقيمة الرحمة والمغفرة والخلود في الجنان وأن يربط على قلوب أفراد أسرتها الأفاضل وعلى رأسهم زوجها ورفيق دربها الجنرال واللواء معاش “نصر الدين حماد بقل” متعه الله بالصحة وطول العمر، وقد أشرت بالخطأ في احتسابي السابق للراحلة ومن هول الفاجعة فلم أدقق في تفاصيل ما كتبت، وأشرت إلى أنها أرملة ولم تكن كذلك رحمها الله وبارك في عمر زوجها المكلوم الصابر المحتسب والحزين لفراقها بعد مشوار حياة زوجية عامرة بالبر والمودة، فكانت له نعم المعين في عمله الوطني في صفوف القوات المسلحة حتى تقاعد بعد أداء رسالته الوطنية، وكان لها نعم السند في مشوار عملها المهني والوطني وهي تجوب أرجاء السودان وتنقذ الأمهات من آلام المخاض في جوف الليل وهزيع الصبح، فكان اللواء “نصر الدين” جزءاً وسبباً في نجاح رسالتها وعملها الذي أتقنته، ونعتذر له ولإخوانه وأهله ورفقاء دربه الذين تضاعف عليهم الهول بخبر وفاتها، وأزعجتهم الإشارة غير المقصودة وبادروا بالاتصال به والاطمئنان على صحته، فله ولهم ولأسرتها العتبى حتى يرضوا.
وأعود للسيرة العطرة والمسيرة الطيبة العامرة بالعطاء للراحلة “مهدية الله جابو” وهي لها من اسمها نصيب، والمتأمل لشخصيتها وسيرتها العطرة – عليها رحمة الله- ولا نزكيها على خالقها فهو أعلم بها منا، ولكنها كانت حقاً (مهدية)، فقد كانت طيبة المعشر ودودة، حكيمة، وقورة، حاسمة، حليمة، هميمة، صبورة بشوشة ودائمة الابتسامة، مع الجدية المحببة، ولا أبالغ إن قلت إنني لا أذكر البتة أن الراحلة “مهدية” قد سمعت وهي تخوض في سيرة أحد، بل كانت تكتفي بتقديم المقترحات والمعالجات في الأمر المطروح، فعاشت بيننا كالنسمة، هذا فضلاً عن الهمة العالية والاستجابة للتكاليف، فكنا في اتحاد المرأة إن حز بنا أمر في مهمة صعبة في ولاية ما، نسارع بالاتصال بها، حتى في جنح الليل ويكون السفر في اليوم التالي، وذلك بسبب طارئ ألم بإحدى عضوات الوفد، فتكون “مهدية” رحمها الله، دوماً حاضرة ومستجيبة ومؤدية لأصعب المهام، خاصة إبان مواسم البناء والتكوين لأفرع الاتحاد، فكانت سفيرتنا الدائمة لأهلها في جنوب كردفان، وكنا نرسلها ولا نوصيها لأننا نوقن بمستودع الحكمة المركوز في شخصيتها والذي يؤهلها لحل الكثير من المشكلات وكانت نعم الشخصية القومية، فلم تتأثر قط بأمراض الجهوية والمناطقية، فكانت كادوقلي رغم حبها لها، عندها كحلفا ومدني وغيرها من مدن السودان.
ولعل عملها في مجال صحة الأمومة أهلها لهذا الدور القومي ورسخ فيها قيم الولاء للوطن الكبير، ولا شك أن رفقتها لزوجها اللواء “نصر الدين” وهو الجندي الغيور المخلص في صفوف القوات المسلحة، عزز فيها وأسرتها هذه الروح القومية.
لقد مثل سرداق عزاء الفقيدة لوحة وطنية فريدة ولا تستطيع التفريق بين أهلها وجيرانها وزميلاتها في الصحة ورفيقات دربها في اتحاد المرأة والمنظمات، فالكل يتلقى العزاء في فقدها ويعدد مآثرها ويرفع الدعاء لها ويتضرع للمولى بأن يعمها برحمته الواسعة، وأن يغفر لها ويضاعف لها الأجر والثواب وأن يجعل روحها الطاهرة في الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
ونسأل الله تعالى أن يختم بالصالحات أعمالنا ويجمعنا بها وبالذين غيّبهم الموت من الأهل والأحبة في تلك التي عرضها كعرض السموات والأرض على سرر متقابلين في جنات النعيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.