صُحف (تل أبيب) وصفتها بالتاريخية: ليبرمان في جوبا.. زيارة لها ما بعدها!!
لم يعُد الحراك الذي ظلت تشهده العلاقة بين إسرائيل ودولة جنوب السودان منذ أن نالت الأخيرة استقلالها في يونيو من العام الماضي؛ لم يعُد يثير الدهشة والاستغراب لدى مواطني السودان، او حتى مواطني دول الجوار العربية، أو المراقبين بصورة عامة. ولعل السبب في ذلك هو أن علاقة “جوبا” بـ “تل أبيب” لم تكن غائبة، حتى قبل وقوع الانفصال، فمنذ أيام زعيم الجنوب جون قرنق وأيام حرب الجنوب الشرسة، كانت آثار اسرائيل تظهر بوضوح في كثير من تفاصيل الصراع بين الشمال والجنوب، بل إن مسألة الدعم العسكري واللوجستي الذي كانت تقدمه دولة الكيان الصهيوني لمقاتلي جنوب السودان في حربهم ضد الشمال، ما كانت تحتاج لدليل أكثر من ظهور لغتهم “العبرية” مرات متكررة على مخلفات الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، التي ظل التلفزيون يعرضها مراراً.
عقب الانفصال وإعلان دولة الجنوب رسمياً، بدأت العلاقة بين الطرفين تشهد تطوراً متسارعاً، تكلل بفتح سفارة إسرائيلية بعاصمة الجنوب، تبعتها جوبا بفتح سفارة لها بالقدس المحتلة. وبدأ المسؤولون في الجانبين تبادل الزيارات الرسمية تمتيناً وترسيخاً للعلاقة بينهما، وزار عدد من المسؤولين الإسرائيليين جوبا، كان أبرزهم مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي “عاموس جلعاد”، الذي زارها في أبريل الماضي، أثناء احتلال الجنوب لمنطقة هجليج. قبل أن تطفو إلى السطح بوادر أزمة تتعلق بإبعاد اللاجئين الجنوبيين من تل أبيب، خاصة بعد اقتناع الحكومة بضرورة إبعادهم، وحددت منتصف أكتوبر كحد أقصى لذلك. وقد وضعت الحكومة الإسرائيلية حداً لمشاكل تسلل اللاجئين الأفارقة ببناء جدار عازل بطول حدودها مع مصر، سيكتمل بناؤه بنهاية هذا العام.
غير أن زيارة مسؤول رفيع المستوى في حجم وزير الخارجية الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان” إلى جنوب السودان، يعتبر حدثاً مهماً يلفت الانتباه، ويثير الكثير من الأسئلة. فقد نقلت صحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية أمس الأحد أن ليبرمان في طريقه إلى جوبا قريباً، في زيارة وصفتها بالتاريخية، وتجيئ ضمن زيارته لعدد من الدول الأفريقية هي: كينيا، أوغندا، رواندا وأثيوبيا. وذكرت الصحيفة أن غرض ليبرمان من الزيارة هو تحسين صورته كوزير للخارجية أمام الرأي العام الداخلي، تمهيداً لما ستسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. ولفتت إلى أن الزيارة هي الثانية من نوعها لوزير الخارجية إلى أفريقيا منذ توليه حقيبة الخارجية في حكومة “نتنياهو” في العام 2009. وركّزت الصحيفة واسعة الانتشار على زيارة ليبرمان لجنوب السودان، وقالت إنها تهدف إلى توثيق العلاقات بين “جوبا” و”تل أبيب”، وبحث سبل تطويرها.
غير أن الخبير في الشأن الأفريقي، د. حسن مكي، ينظر إلى ما وراء ذلك، ويقول إن “ليبرمان” يحمل في حقيبته أكثر من “هدف” للجنوب، فالجنوب الذي يعاني اقتصادياً ويحتاج لعون مالي كبير، ينتظر أن تقدّم له إسرائيل قروضاً مالية كبيرة، بضمان البترول الذي تتوقع جوبا استئناف ضخه قريباً، وسيحمل ليبرمان معه العديد من العروض من بنوك إسرائيلية وأجنبية. ويضيف مكي بأن واحدة من أهم أجندة ليبرمان التي يتوقع أن يحملها معه لجوبا؛ فتح ملف مياه النيل، والتطرق لاتفاقية عنتبي، لافتاً في حديثه لـ (المجهر) أمس إلى أن ليبرمان يبدي اهتماماً خاصاً لملف مياه النيل، منذ عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ولا يستبعد مكي أن يلعب ليبرمان كذلك دوراً في حل الصراعات الجنوبية الجنوبية، والوصول إلى تسوية فيما بينهم، لتحقيق مزيد من الاستقرار السياسي. ويؤكد مكي بأن الشمال سيتضرر بلا شك من هذا التقارب بين جوبا وتل أبيب، لأن الأخيرة تدعم الجنوب باستمرار، وقبل فترة انتشرت أنباء عن وصول أسلحة قتالية وصواريخ إلى الجنوب عبر أرتريا.
من جانبه يعود الخبير الاستراتيجي، العميد م حسن بيومي، إلى بداية العلاقة بين إسرائيل وجنوب السودان، ويقول إنها ليست جديدة، فزيارات المسؤولين الجنوبيين إلى تل أبيب قديمة، منذ أيام جون قرنق نفسه الذي زارها من قبل، ويضيف بأن زيارات الجنوبيين تكررت منذ ذلك الوقت، ولم يقم مسؤول إسرائيلي بزيارة إلى الجنوب إلا بعد إعلانه استقلاله عن الشمال. ويلفت بيومي إلى مسألة يراها مهمة؛ وهي توقيت الزيارة، إذ يشير إلى أن الجنوب الذي يعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة، كان يعتمد كثيراً على رئيس الوزراء الأثيوبي ميلس زيناوي، الذي كان يساعدهم بشكل أو بآخر. وهذه الزيارة تأتي بعد وفاته بأيام قليلة. ويقول بيومي في حديثه مع (المجهر) بأن إسرائيل يمكن أن تقدم الكثير للجنوب، بدءاً بالمعينات المالية ودعم الاقتصاد، وأيضاً السلاح والتدريب، ويذهب أبعد من ذلك ويقول إنها ستدعم موقف الجنوب في القضايا العالقة بينه والشمال، وستحرضه على عدم التنازل عن التمسك بقرار مجلس الأمن الأخير فيما يتعلق بسير التفاوض. وزاد: (يمكن أن تلاحظ مدى التغير الذي يمكن أن يحدث في موقف الجنوب من التفاوض في الجولة المقبلة)، وأضاف: “حينها اعلم أن إسرائيل وراء أي موقف نتشدد وجديد”. ولم يغفل بيومي أن يشير إلى خطورة مثل هذه الزيارة لمسؤول إسرائيلي رفيع للجنوب، على الشمال، وقال إنها زيارة ضد السودان بلا شك، فموقف إسرائيل تجاه السودان واضح ومعروف، وهو العمل على تفتيته وإلحاق الضرر به.
إذن فزيارة ليبرمان الذي يُصنف ضمن “صقور” كابينة القيادة الإسرائيلية إلى جوبا، ستثير بلا شك العديد من المخاوف، ليس لدى السودان فحسب؛ بل وبشكل ربما أكبر لدى مصر الجديدة، التي تسلم الحكم فيها العدو اللدود لإسرائيل “الأخوان”، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت توتراً بائناً بين القاهرة وتل أبيب مرشحاً للانفجار في أية لحظة. ولعل مكمن الخوف المصري من هذه الزيارة يكمن في مياه النيل، وهذه وحدها كفيلة بإثارة مخاوف كل الشعوب.