شهادتي لله

التكنوقراط…!!

{ عندما قامت الثورة (البلشفية) في روسيا كان حال الكهرباء فيها بائساً جداً، فقد كانت كل كهرباء “موسكو” توجه إلى مسرح البلشوي حيث تقام فيه مسرحية أو عرض باليه..!!
{ كان “لينين” يحلم بكهربة روسيا ولكنه كان يحتاج لهذا الغرض من يعرف الكهرباء.. لم يكلف أحداً من أهل الثقة بهذا الأمر المصيري، بل طلب أن يجدوا له مهندساً من أميز مهندسي الكهرباء في روسيا، فسموه بالاسم.
{ هذا المهندس لم يكن من (البلشفيك) بل كان على النقيض من معارضي النظام، ترك عمله خوفاً من البطش وعمل سائقاً للترام، حتى يخفي نفسه..!! ولكن (التشي كا)- جهاز المخابرات- الـ(كي جي بي لاحقاً) عثر عليه، فأوقف جنده الترام في الشارع العام وأخذوا الرجل عنوة!
{ ظن الرجل أنها النهاية..!! فمن يُعتقل في ذلك الزمن لا يعلم مصيره إلا الله.
{ تعجب الرجل عندما وصل إلى قصر الكرملين وليس معسكرات الاعتقال كما جرت العادة، فوجد نفسه وجهاً لوجه أمام “لينين”!!
{ دخل “لينين” مع الرجل في حوار علمي وبادره بالقول: ليس لي نية في أن تكون شيوعياً، كن ما شئت..!! كل ما يهمني هو الكهرباء التي في عقلك..!
{ روسيا تحتاج الكهرباء لتحيا.. وأنت من يساعدها في ذلك.
{ ذهل الرجل الذي كان ينتظر الموت!!
{ ورغم معارضته للنظام، إلا أنه لم يرفض لأن في ذلك خدمة لروسيا بأكثر مما هي خدمة لنظام الحكم الذي يعارضه، فكان أن وضع خطة بناء أكبر خزان للتوليد المائي، يعمل حتى الآن ومنذ ما يقرب المائة عام..!!
{ وذهب الاتحاد السوفييتي وبقيت الكهرباء التي خطط لها ونفذها التكنوقراط..!!
{ في عهد لاحق.. وفي روسيا نفسها كان “ستالين” في زيارة لمدينة لينجراد، وكان من ضمن البرنامج  زيارة لأحد مصانع النسيج.
{ الرهبة والخوف من “ستالين” دفعت كبار المسؤولين بالمصنع لتقديم مهندس صغير ليقوم بعملية الشرح للرئيس “ستالين”، وكان رغم صغر سنه جريئاً.. وتوج هذه الجرأة بالمعرفة بعلوم النسيج.. فكان أن قدم  شرحاً وافياً أذهل “ستالين” وحتى كبار مسؤولي المصنع والمهندسين!!
{ وعاد “ستالين” إلى موسكو، وكان أول قرار يصدره هو تعيين ذلك المهندس الشاب وزيراً لصناعة النسيج!!
{ ذلك المهندس كان “أليكسي كوسيغين”، أشهر رئيس وزراء عرفه الاتحاد السوفيتي والعالم..!!
{ بعد الحرب العالمية الثانية والدمار الشامل الذي حدث في اليابان توقفت الصناعة تماماً!!
{ لم تشكل اليابان لجنة للتخلص من المرافق العامة، بل نشرت إعلاناً غاية في الجرأة وهو عن بيع كل المصانع التابعة للدولة بسعر (دولار) واحد لكل مصنع، شريطة ألا يشرد عمال تلك المصانع، وشرط آخر ينص على أن ينتج المصنع في فترة زمنية محددة، وهنا نفر الجميع لإعادة بناء مصانعهم..!!
{ وقد خطط اليابانيون أنه في خلال عشرين عاماً تعود اليابان دولة صناعية كبرى!!
{ وبالفعل في عام 1960 (أي بعد خمسة عشر عاماً من انتهاء الحرب) غزت اليابان أسواق العالم بمنتجاتها..!!
{ التكنوقراطية أو (التقنقراطية) كلمة أصلها يوناني من كلمتين هما: تِكني τέχνη “فني وتقني” وكراتُس κράτος “سلطة وحكم”.
{ وباعتبارها شكلاً من أشكال الحكومة، تعني حرفياً حكومة التقنية ويقال حكومة الكفاءات.
{ وبناء على ذلك فإن الحكومة التكنوقراطية تتشكل من الطبقة العلمية الفنية المثقفة، وهي حكومة متخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة، غالباً تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيراً بالفكر الحزبي والحوار السياسي..!!
{ كم نحن بحاجة ماسة في السودان لهذه السياسة في تكليف المتخصصين الأكفاء الأمناء بالمناصب القيادية في مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية والهندسية والفنية في جميع التخصصات، لتنهض بلادنا من وهدتها وتنطلق إلى مصاف الدول المتقدمة والمنتعشة اقتصادياً!!

 

{ من أجمل ما قرأت في الوسائط.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية