بعد ومسافة
بين الصحافة والصحة والناس
مصطفى أبو العزائم
مغرب يوم (السبت) الأول من أمس، شهد لقاءً نوعياً ضم قيادات وزارة الصحة الاتحادية وعلى رأسها الوزير الأستاذ “بحر إدريس أبو قردة” ووكيلها الدكتور “عصام الدين محمد عبد الله” وكل مديري الإدارات ومساعدي الوزير، وهؤلاء كانوا في جانب داخل إحدى قاعات فندق كورنثيا بمجمع برج (ليبيا) في الخرطوم، بينما كان في الجانب الآخر نفر كريم من أهل الصحافة والإعلام، من بينهم رؤساء تحرير وكُتاب أعمدة ومحررين نشطين ومؤثرين، وبين هؤلاء وأولئك كانت قضايا وزارة الصحة، وما أكثرها، خاصة وأن مجتمعنا وأجهزة إعلامه العامة والشعبية مازالوا غارقين في مستنقع الإسهالات المائية.
المناسبة هي إفطار عمل رمضاني، كان مهماً بالنسبة للطرفين، وقد تحمست له رغم ارتباطات سابقة لأهمية اللقاء مع انتظار إضاءات مهمة حول الكارثة التي ألمت ببلادنا منذ أوائل مايو الماضي، وهي مرض الإسهالات المائية التي ضربت عدداً من الولايات بدءاً من النيل الأبيض، فالخرطوم وشمال وجنوب كردفان، وبلغت نهر النيل وتجاوزتها إلى الولاية الشمالية، وكان معدل تدفق المعلومات حول الوباء أقل بكثير من معدل تنامي وانتشار الوباء، مما شكَّل حالة من الذعر والخوف بين المواطنين حتى أننا شككنا في أن جهة ما، تمنع أهل الصحة على مستوى المركز والولايات من الإدلاء بأية معلومات حول الوباء القاتل رغم ضعفه، وإمكانية وأده ومقاومته في مهده، وعضد هذا الرأي لدى كثير من أهل الصحافة والإعلام أن تدفق المعلومات حول الوباء والموقف العام له لم يبدأ ويتضح إلا بعد تدخل السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق “بكري حسن صالح” ولقائه بالوزير “أبو قردة” وأهل الاختصاص، وإن كنا نحمد للدكتور “عبد الحميد موسى كاشا” مبادراته الشجاعة بالكشف عن حقيقة الأوضاع في ولايته النيل الأبيض أولاً بأول، ولحظة بلحظة.
في لقاء كورنثيا مغرب (الخميس) الماضي، تسيَّدت الصراحة الجلسة، وتم اعتماد الحقائق وحدها لتكون بين الناس، خاصة وأن أهل الصحة كانوا يعتقدون بأن الإعلام ظلمهم كثيراً، بينما كان أهل الإعلام يرون أن الصحة ظلمت نفسها وغابت عن المشهد عندما لم تدفع بالحقائق إلى الملأ.. لكن اللقاء الدافئ كشف عن تراجع حالات الإسهالات المائية تراجعاً مقدراً، مقارنة بما عليه الحال في البداية أو حتى بما كان عليه الحال قبل أسبوع، وأقر المسؤولون بوزارة الصحة.. بإمكانية المعالجة خلال فترة قريبة، خاصة وأن مراكز العزل والمستشفيات لم تشهد حالة وفاة واحدة منذ يومين، وقد بلغت جملة الإصابات منذ بداية الوباء (18) ألف حالة، وإن ولاية النيل الأبيض كانت هي الأعلى في معدل الإصابات، لكن هذه الحالات تراجعت إلى أن بلغت (58) حالة في اليوم بدلاً عن مائتي حالة كانت تستقبلها المستشفيات والمراكز الصحية.
من أهم ما جاء في اللقاء الإعلامي الصحي اعتراف وزارة الصحة الاتحادية بقصور في بعض الجوانب لم يكن ضمن مسؤولياتها، لكن الواجب اقتضى أن تتدخل أولاً، وتنبه بعد ذلك الآخرين لأدوارهم خاصة في جانب سلامة مياه الشرب، مع تنفيذ الوزارة لجولات بالسوق المركزي في الخرطوم والوقوف على مصادر المياه في الأحياء الطرفية مثل مانديلا، ومايو، وغيرها، والكشف عن قصور في عملية النظافة، مع دعوة السلطات المحلية إلى بذل المزيد من الجهد في هذا الجانب، خاصة وأن أسواق الخضر والفاكهة هي واحدة من مسببات المرض.
اللقاء الحميم بين أهل الصحة والإعلام كشف عن أن الجولات التفقدية التي تقوم بها فرق وزارة الصحة الاتحادية ستستمر خاصة وأن هذه الفرق زارت ولايات النيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار، وشمال كردفان وجنوبها.. وكانت كلمة الوزير “بحر إدريس أبو قردة” واضحة وجريئة وشجاعة عندما أكد أن معالجة الموقف كلياً لن يتم في وقت قريب، بسبب التكلفة العالية لمحطات المياه المدمجة لهم، لأن المحطة الواحدة تكلف إحدى عشر مليون جنيه – بالنظام الجديد – وقال: إن إنكار وزير البيئة لمسؤوليته أمام البرلمان وتحميله وزارة الصحة كل المسؤولية هو مناقض للواقع، وقد تساءل عن تدهور الوضع البيئي، وهل هو مسؤولية الصحة أم البيئة؟ وقال: التردي البيئي هو أساس انتشار المرض.
توقعت شخصياً تسجيلاً تلفزيونياً للجلسة حتى نشرك كل المواطنين في التعرف على الحقيقة، لكن كل الفضائيات غابت ولم أعرف إن كان الغياب متعمداً أم أنه ناتج، لأنها لم تدع أصلاً للمشاركة في تلك الجلسة، ونحمد لقناة “المنال” الفضائية مشاركتها وتغطيتها للجلسة بكل تفاصيلها لبثها اليوم أو غداً.