ذكرياتي في ديار المسيرية (2-2)
عز الدين عمر مصطفى
إلحاقاً لما قد سبق فإنني لا أقول جازماً بأن مشروعات استقرار الرحل Nomad (Settlement Project) إنما تبقى (كالقضية العادلة) والتي يترافع حولها محلفون (غير أمناء ولا شجعان)، لأن منطق (العصرانية) والنماء والتماسك الذي يؤدي لعملية التحليق بكل حاصل جمع الوطن السوداني، وأن في عملية استقرار الرحل إنما تكمن كل مبررات الارتقاء والنهوض.. وفي مشروعات استقرار المسيرية كقبيلة كبرى فإن فكر المخطط قد كان يهدف لصناعة وخلق عمليات التنمية الشاملة بشقيها الاقتصادي والاجتماعي وتحويل البقرة كإحدى عوامل الاقتصاد القومي والذي يدفع للنماء والبناء والنهضة ليحلق القطر بجناحين قويين وليس بجناح واحدٍ تتعطل قوامه.
إن معاناة العاملين بمشروعات استقرار المسيرية وبجناحيها (الحُمُر والزُرق) قد كانت تجربة ينبغي أن تدرس، لأن الشبيبة المختارة للعمل بتلك المشروعات قد ظلت (تتخندق) و(تتمرس) من أجل إنجاز تلك القضية الوطنية المهمة والتي نقلت تجارب كل العملية من تجربة دول العالم من حولنا خاصة في دولة إيران وتنزانيا.
إن المراد من تجربة عملية الاستقرار إنما كان محور هدفها هو الاستقرار الذي يؤدي لانطلاقة التنمية الشاملة بكل مواقع العرب الرحل والذين ظلوا في تجوال بين (بحر العرب) في الجنوب ومضارب القيزان الرملية حتى حدود المسيرية مع قبيلة (الحمرة) في شمال أواسط كردفان.
إن الهدف من عملية استقرار العرب الرحل إنما يكمن في عملية البناء الاجتماعي للمجتمعات التي تحترف عملية التجوال والترحال مع الوحدات الحيوانية والتي ظل المسيرية يطلق عليها أوصاف (الفضة أم صوف) ويطلقون عليها كلمة (المال) فهلا صارت الماشية مدعاة للاستقرار والبناء والنماء والنهضة، ولسوف لن أنسى ما حييت تلك (الكتيبة) والتي اختارتها الإدارة التنفيذية (بالخرطوم الرئاسة)، والأبيض الإقليم، وعلى رأس هؤلاء إخوة كثر، ولكنني أشير فقط للإخوان الفضلاء “مالك عبد الرحمن” و”الطيب الجعلي”، “هاشم محمد الحسن” والدكتور “أبو القاسم عامر أبو ديك” ومجموعة الفنيين التنفيذيين ومنهم “موسى إسحق أحمد” و”ود العالم)، “ود الجعلي”، “أحمد سيد أحمد محمد إبراهيم” و”عبد الرحمن يوسف” وزملاء أعزاء أُخر.
ولسوف لن أنسى أو أتناسى كل الأيام والسنوات والشهور التي قضيناها معاً (نسكب العرق) ونسابق الزمان، ونتعرض لكل قاسيات الطبيعة والسكن في المخيمات والحرمان من كل أبجديات عمليات الرفاهية والارتياح ليكون الحصاد النهائي هو تعطيل وإيقاف كل الجهود التي كنا نضحي من أجلها لتأتي عمليات وقف كل العمل بتلك المشروعات، وأقول بأن الإدارة العليا برئاسة الوزارة والإدارة التنفيذية بإقليم كردفان قد كانت تتفهم الفكرة السامية للتجربة والتي لو قدر لها أن ترى النور لتتوقف عمليات الصراع والاقتتال المدمر بكل قبائل السودان الرعوية، ولأن الإدارة العلمية السليمة لهي التي تسبق كل المخططات السياسية، ولأن (الاجتماع) في فكري لهو الذي يخلق السياسة الرائدة.
وإنني لأقول بأن (ديار المسيرية) تراباً وتراثاً ومقدرات بشرية قد ظلت ولسوف تظل خالدة وباقية في ذاكرتي.
ولسوف لن أنسى إخوة فضلاء وعظماء من أمثال الصديق الوزير والإداري الشاب والسياسي المحنك “الخير الفهيم المكي” والذي خلق ليبقى وكان ليكون رمزاً من رموز (المسيرية الحُمُر والزُرق) ولسوف تظل ذكرى المرحوم مفتش الحكم المحلي بالمسيرية (الحريكة عز الدين) ناظر المسيرية الزُرق بعد وفاة والده المرحوم “عز الدين الحريكة” وكانت أسرة المرحوم “بابو نمر” ناظر عموم المسيرية وساعده الأيمن المرحوم الزعيم “علي نمر” والذي يطلق عليه كلمة “علي الجلة” ولسوف يطوف بخاطري السيد “بابكر فحل” ضابط تنفيذي ريفي المسيرية بابنوسة وضابط الشرطة الهمام “أبو جديري” والدكتور العظيم المغفور له “إبراهيم جقود” مدير مصنع بابنوسة للألبان ولسوف تظل ذكرى الإخوان “محمد سليمان أبو إسماعيل” والعزيز المرحوم “محمد سليمان قور” الشيوعي العظيم والذي أشهد بأنه قد كان (قائماً وصائماً وجواداً وكريماً)، وستظل كتيبة التربية والتعليم بالمسيرية في الذاكرة، وأحي بالنيابة عنهم الأخوين “سيد شميلة” و”إبراهيم بقرة” و”إبراهيم أرمل”، والتحية أسوقها لكل أعضاء مجالس الاستقرار والتطوير بقرية (بقرة) ومشروع (الكليبات) ولكل الأصلاء بمدينة (المجلد) وبابنوسة والتبون وجبر الدار، ولكل عمال مشروعات العرب الرحل أينما كانوا وكيفما يكونون.
وأناشد وأقول صادقاً للسيد والي ولاية غرب كردفان أن يعمل طاقم حكومتك من أجل التخطيط الفاعل لإعادة التفكير في دراسة عملية وعلمية لاستقرار الرحل بمناطق المسيرية، لأن ذلك هو المنهج العملي لاستقرار وبناء (غرب كردفان) والارتقاء بالوحدات الحيوانية الضخمة بإقليمكم الناهض.
عز الدين عمر مصطفى
مفتش بمشروعات استقرار الرحل
بمنطقة المسيرية 1970/ 1975م