دعوة للصفح المتبادل بين السودانيين
بقلم – عادل عبده
الحالة السودانية مازالت تعيش في ظلامات الصراع السياسي والقطيعة الغليظة بين أبناء الوطن الواحد، وما زال مسار العقل السياسي السوداني لا يؤمن بنظرية الصفح المتبادل مع الخصوم السياسيين في الرؤية والمنهج والتصورات، ولا يخفى علينا المفهوم السالب الذي يعتبر أن الجنوح نحو المصالحة والتسوية يعتبر في نظر الكثيرين ضرباً من الهوان والضعف، وأن القيمة المستحبة تكمن في العناد والشطط والإبقاء على القطيعة.
أمامنا الخلاف الطاحن بين الحكومة والحركات الدارفورية المسلحة وقطاع الشمال وأبعاده ومساراته، ولا يفوت علينا الحروب الداخلية والانقسامات الخطيرة التي ضربت الأحزاب السودانية المتمثلة في المؤتمر الوطني والأمة والاتحاديين والشيوعي والبعثيين والناصريين والقوى السياسية الأخرى، فالواضح أن هؤلاء جميعاً يعانون من الغبائن والكراهية السياسية والعداء السافر مع بعضهم وما زالوا عاجزين عن الزحف إلى عتبة التوحد والتفاهمات التي تفتح الطريق الذي يؤدي إلى إنهاء الحروب المستعرة بينهم.. من الذي يقنع الفرقاء السودانيين بأن الرهان على الثأرات في الخلافات عملية عبثية وأن العداء الغليظ لا يوجد فيه منتصر ومهزوم، وأن المصالحة الشاملة ضرورية لبناء الوطن وإزالة الدموع الحزينة والكوارث والفظائع وإقامة الديمقراطية المأمولة، وأن الوطن يتمزق إرباً إرباً كلما تحكم كابوس العقول المتطرفة على طريق التسوية الجامعة.
لابد من نزع أجندة التشدد ونفوذ أصحاب الرؤية الأحادية في أروقة الأحزاب السياسية عن طريق تطويعهم وكسبهم في مدارج التصالح والتفاهم السلس واستيعاب الجرعات الجديدة المبنية على التآخي السياسي في التوليفة الواحدة، فالمصيبة الوطنية الكبيرة والداء العضال يوجد في تلك الأجواء التي يحتكرها رموز الاستبداد هنالك، حيث أنها تشكل عقبة كبيرة في أوضاع الساحة الوطنية. دعوة الصفح المتبادل بين السودانيين يمكن أن تساعد على ترميم العقل السوداني في كسر جدار القطيعة الغليظة، فالخلاف السافر مهما بلغت أقصى درجاته يمكن أن يذوب مصل الثلوج عندما توضع على وهج الشمس، وهنا يمكن أن نستحضر نموذج جنوب أفريقيا التي توصلت إلى مشروع المصالحة غير الجزائية الخالية من الانتقام السياسي والحسابات القاسية، ولابد من القول بأن بعض قصور المؤتمر الوطني يمكن أن يرتبط بمشروع المصالحة الشاملة فكلاهما حزمة واحدة لا تنفك من بعضها من خلال روشتة المعالجات الهادئة في الأحزاب الأخرى، فالتسوية الوطنية ليست عناقات وتوافق سلس بل هي مرحلة تاريخية تكتسب البعد الأخلاقي والمعنوي والسياسي، فالمستقبل لا يقوم على الكراهية والخلافات، فالواضح أن المصالحة الجادة في جميع صورها تلعب دوراً كبيراً في التغيير السياسي والاجتماعي لا تبلغه أي صيغة أخرى، لأن منبعها في داخل النفس وهي التي تصهر الأحقاد والكمد وحب الانتقام بين أهل الوطن الواحد.
في يوم واحد عادت ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية، حيث تحولت جرائم الكره إلى متحف يحكي الذكريات.. فما أحوجنا كسودانيين إلى مصالحة عريضة وقوية تعبر عن إرثنا وهويتنا الذاتية!!