مسلسل "طه"
الظهور المفاجئ لمدير مكتب الرئيس السابق “طه عثمان الحسين” في أديس أبابا ضمن الوفد السعودي بعد أن كان قبل أيام معدودة يمثل أشهر الوزراء في السودان وأكثرهم نفوذاً في السلطة وتأثيراً على القرار بحكم قربه الشديد من الرئيس، واليوم يقود الفريق “طه” وفد المقدمة السعودي لوزير الخارجية “عادل الجبير” الذي وصل أول أمس (الثلاثاء) العاصمة الإثيوبية.. ومن المفارقات أن “طه عثمان” الذي كان حتى وقت قريب جداً يلج أبواب القصر الرئاسي مثل طائر النورس ويحيط نفسه بهالة من الغموض والإبهام قد طلب في أديس أبابا من د. “الفاتح حسن المهدي” مدير مكتب النائب “حسبو” السماح له بمقابلة رئيس وفد السودان لترتيب لقاء بين نائب الرئيس السوداني ووزير خارجية السعودية “عادل الجبير”.. وبدت على “طه” علامات الرضا وتجاوز قرار إعفائه الصادم والطريقة التي أعلن بها.. ومضى الرجل إلى سبيله، وقدرت المملكة العربية السعودية أن تستفيد من قدرات “طه” ومؤهلاته وعلاقاته لخدمة الدولة السعودية بعد استغناء السودان عن خدماته.. لتقترب السياسة من الرياضة أكثر وتسجل وقائع انتقال “طه عثمان” من لاعب سياسي سوداني في وسط الملعب لكنه يسجل الأهداف على طريقة لاعب منتخب إنجلترا السابق “استيفن جيراد” إلى لاعب وسط مدافع في المنتخب السياسي السعودي.
تشير هذه الوقائع إلى إمكانية انتقال الاحتراف الرياضي للاحتراف السياسي بعد أن حطمت التكنولوجيا القيود.. وانتهت للأبد مفاهيم سيادة الدولة بالتعريفات القديمة.. وباتت الجنسية لا تشكل عائقاً أمام تولي المناصب في الدول.. ولكن في الحالة السودانية والسعودية فإن تعيين الفريق “طه” في منصب كبير بالخارجية السعودية يعدّ سابقة جديدة تعكس تطور مفاهيم العرب ودخولهم عصر العولمة وكسر القيود وتلاقح الهويات.
وإذا كانت السعودية قد اكتشفت في “طه عثمان الحسين” قدرات وإمكانيات من شأنها خدمتها، فإن ذلك يمثل بالنسبة لقطاع الشعب السوداني مصدر فخر وإعزاز بغض النظر عن تقاطعات السياسيين وخصومهم وصراعاتهم، خاصة وأن فترة وجود الفريق “طه عثمان” في مكاتب الرئيس لم يتضرر أو يستفيد منها المواطنون العاديون بقدر ما هناك صراعات حول الرئيس.. من يقترب منه ومن يستفيد من ظله ولسانه وتوجيهاته المكتوبة والشفوية وسرقة لسانه على طريقة (الشيخ قال كده) و(الجماعة الفوق قالوا كده)، وفي هذه الأيام ظهرت موضة جديدة (بكري مبسوط مني.. وبكري زعلان من فلان)، لأن “بكري” أصبح من بيده القلم الأسود!!
وعودة للحديث عن وجود “طه” في القصر الملكي السعودي أو الخارجية السعودية فإنه بالطبع يشكل إضافة حقيقية للوجود السوداني في المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات الأمم المتحدة وحكومات بلدان العالم القريب والبعيد.. وبكل أسف لم يستفد السودان كدولة من وجود أبنائه في المنظمات الدولية وما أكثرهم عدداً وأبلغهم أثراً.. لكنهم في الغالب بينهم وحكومة بلادهم شقاقات ونزاعات، وفي السنوات الأخيرة وحينما رشح د.”عبد الله حمدوك” لمنصب كبير جداً في الأمم المتحدة وجد السند من الرئيس “البشير” رغم أن “حمدوك” شخصية بأرشيفها كطالب بجامعة الخرطوم كان بعيداً عن التيار الإسلامي، و”طه” اليوم ما بين المأزق والمنفذ.. إذا مضت العلاقات مع السعودية بيسر وطلاقة ولم تحدث تقاطعات فإن المدافع الثقيلة والسياط التي تلهب ظهر الرجل من أخوته في الدين والتنظيم والحزب، قد يخف دويها ووقعها.. ولكن إذا ما تقاطعت المواقف بين الدولتين فإن “طه” سيظل في مرمى النيران والشكوك والاتهامات.. وفي كلتا الحالتين فإن “طه عثمان” سجل اسمه في التاريخ كشخصية جدلية للعام 2017م أكثر من أي سياسي سوداني آخر.