جولة اديس ابابا المرتقبة .. ازمة الحدود تطل برأسها !
تتجه أنظار السودانيين إلى أثيوبيا مجدداً لمتابعة جولة التفاوض التي تستأنف يوم الاثنين القادم لطي الملفات العالقة لقضايا الاختلاف بين الدولتين, على أن تستمر الجولة ثلاثة أسابيع – بحسب ما ذُكر – في جو أشبه بالهدوء الذي يسبق العواصف، بعد أن سجلت الجولة الفائتة في ملف النفط نقاطاً لصالح الدولتين. ويستأثر الملف الأمني وملف ترسيم الحدود على مجمل القضايا في الجولة الثانية، ولعل القضية أعقد مما يتصوّر الجميع، حيث لازال الجانب الجنوبي بذات الغموض يمارس هواية اللعب على ورقة الزج بمناطق خارج نطاق النزاع في القضية الحدودية.
ولعل أصدق تعبير عن حقيقة الأوضاع في مناطق الحدود ما ورد على لسان المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان “برنستون ليمان”، في اللقاء الذي أجرته معه قناة الجزيرة سابقاً، حيث أشار “ليمان” إلى أنَّ المناوشات في الحدود تُهدِّد بإشعال حرب أوسع نطاقاً بين الجانبين
ويضيف “ليمان”: (لقد سُرِرت بالهدوء الذي ساد الحدود وهو ليس هدوءً تاماً، وقضايا الحدود صعبة، وهي لا تتعلق بالحدود فقط، ولكنها تتأثر بالنزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وآمل أن يفي الطرفان بالتزاماتهما بنشر مراقبين على الحدود؛ والعملية تتطلب على المدى الطويل كيفية حل النزاعات الحدودية بطريقة نهائية، وهنالك خلاف كبير بين الجانبين حول ذلك .ولم تتوقف التدخلات الأمريكية عند هذه الحد، بل تعدته إلى طلب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان “برنستون ليمان” من الحكومة السودانية بأن تستعد لسحب قواتها من الحدود المشتركة مع دولة جنوب السودان؛ تهميداً لإقامة – ما قال إنها – منطقة عازلة منزوعة السلاح بين الجانبين.
واشترط “لميان” – وفق بيان أوردته عنه الخارجية الأمريكية – أن تقبل الحكومة السودانية مقدماً بهذه الخطة قبل المضي قدماً في عملية نزع السلاح من المنطقة. كما اشترط – في ذات البيان – أن تستند خطة إقامة المنطقة العازلة على الخريطة التي كان قد أعدّها الاتحاد الأفريقي لترسيم الحدود بين الدولتين.
ومن المحتمل أن واشنطن التي ضغطت على جوبا بشدة لحل ملف النفط المعقد تود مقايضة الملف النفطي بالملف الأمني والحدودي بما يرضي جوبا، ولو نظرياً، دون الالتفات إلى ما قد يرضي الخرطوم أو يضيرها. والمتابع لملف الحدود يرى أن أطماع الجنوبيين تمتد كأذرع الإخطبوط لتدخل مناطق، تعلم جوبا جيداً مقدار أهميتها من حيث الموارد الطبيعية الضخمة، وهي المناطق الأربع التي تمتاز بالكثافة السكانية تتجاوز العشرة ملايين نسمة، بالإضافة إلى وفرة المياه والثروة الحيوانية ونوع من المعادن النادرة. وكانت حكومتا الشمال والجنوب قد وقعتا أول اتفاقهما في 18/ ديسمبر2011م بشأن أمن الحدود.
مناطق النزاع
• دبة الفخار، وهي منطقة تقع على بعد أربعة كيلومترات جنوب منطقة جودة بولاية النيل الأبيض على النيل الأبيض. وبمساحة (45) كلم ويتمحور الخلاف فيها حول مساحة لا تتعدى كيلومترين شمالاً وجنوباً.
تستند حكومة الخرطوم في دفوعاتها بتبعية المنطقة إلى وثيقة صادرة عام (1920)م ولم تلغ حتى إعلان استقلال السودان.
• جبل المقينص، وتقع منطقة جبل المقينص في مساحة حدودية بين ثلاث ولايات هي النيل الأبيض وجنوب كردفان بالسودان، وولاية أعالي النيل بجنوب السودان, وبساحة (450)كلم.
المنطقة ذات تداخل قبلي يشمل قبائل الكواهلة وكنانة والأحامدة وبعض القبائل الصغيرة، بجانب قبيلتي الشلك والدينكا الجنوبيتين.
يدور الخلاف بين الطرفين بالمنطقة – التي تبعد نحو (147) كلم جنوب غرب مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض- حول أربعة كيلومترات بسبب تفسير خاطئ لترجمة كلمة about، حيث فهم الجنوبيون أن المعنى هو وقوع المنطقة شمال خط (12) مع العلم أن المعني هو جنوب خط (12).
• كاكا، هي منطقة تجارية حدودية تفصل بين ولايتي جنوب كردفان وولاية أعالي النيل بين خطي عرض (10 – 11).
تعتمد الحكومة السودانية في موقفها على وثيقتين من الحاكم العام قبل استقلال السودان، حيث قضى بنقل كاكا التجارية من أعالي النيل إلى جنوب كردفان عامي (1923) و(1929)م، ولم تلغ تلك الوثائق حتى الآن.
بينما تعتمد حكومة جنوب السودان في وثائقها على خريطة السودان وجنوب السودان.
• كافي كنجيا وحفرة النحاس، منطقة تقع في بجنوب دارفور. وهي عبارة عن متوازي أضلاع تبلغ مساحته (13) كلم2. تسكنها قبائل دارفور.
تعتمد الحكومة السودانية في موقفها منها على وثيقة صادرة عام (1944) من مدير مديرية دارفور إلى نظيره في بحر الغزال يطلب فيه إدارة حفرة النحاس- كافي كنجي إنابة عنه؛ لأنها تبعد عنه قليلاً وتنقطع عنه في فصل الخريف.
منطقة الميل (14)
قال القيادي بمجلس شورى الرزيقات وعضو لجنة ترسيم الحدود “حريكة عز الدين” إن منطقة بحر العرب أضيفت إلى النزاع خلال الفترة الواقعة بين (2005) إلى (2011)م. واستنكر على الحكومة السودانية قبول مبدأ التفاوض في هذا الملف. ويرى أن اتفاقية (1924) أقرت بأربعين ميلاً جنوب بحر العرب, ومن ثم جاءت اتفاقية (1939) بالإقرار بـ(14) ميلاً ثم أكدت اتفاقية (1956) على (14) ميلاً أيضاً. وأضاف أن القبائل لن تتحدث بعد الآن إلا على الـ(40) ميلاً الأولى، وأنهم لن يعطوا الحكومة الشرعية بمشاركة أبنائهم في التفاوض لتجاهل الحكومة لهم سابقاً، عارجاً على حقيقة أزلية مفادها أن الحدود تم تأسيسها بواسطة القبائل وليس الحكومات، وأن النزاع خلق بواسطة المجموعات السياسية وليس كواقع افترضته الظرف. من وجهة رأيه، يعتقد عضو لجنة ترسيم الحدود “محمد عيسى عليو” أن منطقة الميل (14) تشمل مسميات عدة بحر العرب, سماحة, سفاهة. وقال إن حدود (1918) أعطت الجزء الشمالي (40) ميلاً شمال بحر العرب، وعند احتجاج الجنوبيين تحولت إلى (14) ميلاً باتفاقية (1924). وقال إن منطقة الميل (14) بها مناطق تجارية كبرى أنشأها الجنوبيون.
لماذا يصر الجنوبيون على منطقة بحر العرب؟
يقول عضو المجلس الوطني “عبد الله مسار” إن بالمنطقة ثلثي الثروة الحيوانية في السودان، مستنداً على الدراسة التي أجراها العالم الأمريكي “هارفر”، بأن المنطقة مستودع للغذاء لميزة الأنهار الجارية، كما أن حوض البقارة لها ميزة اختلاف التربة التي تصلح لـ(3) محاصيل زراعية، هي: السكر, الأرز, القطن, إضافة إلى معادن أخرى غير متوفرة بالسودان. وذكر أن الجنوبيين يعلمون جيداً بهذه المعلومات، بينما السودان الشمالي لا يملكون عنه مراكز معلومات كمراجع لهم.
أين تقع منطقة سماحة
تقع منطقة سماحة على مجرى بحر العرب وتحديداً في داخل حدود دولة شمال السودان, ويطلق أفراد قبيلة الرزيقات على هذه المنطقة اسم منطقة (سَفَاهَة) إلى أن تم تغيير اسمها إلى منطقة (سماحة) عند زيارة الرئيس “عمر البشير” لمدينة الضعين. وعلى وجه الدقة يمكننا القول بأن منطقة (سماحة) تتبع لمحلية بحر العرب بولاية شرق دارفور، وتبعد حوالي (175) كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة أبو مطارق عاصمة محلية بحر العرب. وتعد منطقة سماحة وحوض بحر العرب المصيف الرئيس لبوادي قبيلة الرزيقات منذ مئات السنين، حيث يقيم الرزيقات أسواقاً صيفية موسمية على امتداد ضفاف بحر العرب من أشهرها سوق (دحيل الدابي) وسوق (سماحة)، التي ترتادها اللواري التجارية المحملة بالبضائع والسلع الاستهلاكية،
وكذلك تعتبر منطقة سماحة البوابة الرئيسة التي تمد دولة جنوب السودان بالسلع الاستهلاكية طوال العام، وذلك بواسطة تجار من الرزيقات، وهي كذلك تشكل المعبر الرئيس الذي يتيح لسكان ولايات بحر الغزال العبور من وإلى شمال السودان، حيث يرتاد منطقة سماحة في فصل الصيف أفراد من الدينكا يأتون من ولايات بحر الغزال لصيد الأسماك والتبضع من الأسواق الصيفية التي يقيمها الرزيقات حول مجرى بحر العرب، ويعودون في فترة الخريف إلى ديار الدينكا بإقليم بحرالغزال.
وأعلن وزير الحكم اللامركزي ونائب دائرة سماحة, خلال الندوة التي أقامها شباب شرق دارفور، عزمهم تحرير سماحة قبل بداية الجولة الثانية للمفاوضات، مبحراً بعاطفته بعيداً، ومؤكداً (حتى ولو تركت الوزارة), لن نتنازل شبراً عنها.
موقف السودان الشمالي قانونياً
يرى الخبير القانوني وعضو لجنة ترسيم الحدود د. “معاذ تنقو” أن الموقف القانوني بالنسبة للشمال في هذه المناطق قوي ومحسوم بالوثائق والشواهد. وقال إن التقرير الذي سلم لرئاسة الجمهورية (2011) بها وصف المناطق وصف دقيق ولا يختلف كثيراً عن خط (1/1/1956) والمسافة بين كل نقطة والأخرى أقل من (5) كيلومترات.