خربشات
(1)
في خيمة الصحافيين التي تمثل بؤرة ضوء في ظلام الخرطوم الثقافي وجدب منابرها الحوارية وتواري الصفوة عن مواجهة العامة.. أخرج “محمد لطيف” الذي ينسج خيوط تلاقي بين مؤسسة الرئاسة.. والاتحاديين واليسار العريض غير اليسار التنظيمي الملتزم في صف الحزب الشيوعي والبعث، وقد استفاد الرئيس من “محمد لطيف” الاجتماعي أكثر من استفادة “لطيف” الصحافي من صلات القربى والمصاهرة بـ”البشير” وأسرته.. وفي نبضة من نبضات ليالي الخيمة الرمضانية العامرة بالناس والأحداث خرج “الحسن الميرغني” مساعد الرئيس الأول ورجل التنظيم ووريث السيد “محمد عثمان الميرغني” خرج عن صمته.. وعن تقاليد الأسرة الميرغنية التي تنأى بنفسها عن الخوض في غمار المواجهة المباشرة مع الصحافيين والكُتّاب والنخب والمثقفين.. وارتضى “الحسن الميرغني” الرد على أسئلة الأستاذ “ضياء الدين بلال” وقد أعاد “الحسن الميرغني” في جزئيات من حديثه للأذهان ما ورد على لسان مساعد سابق لرئيس الجمهورية ونعني “مني أركو مناوي” الذي حينما ضاق صدره بحاله في القصر.. آثر أن يتحدث في ندوة بدار حزب الأمة بأم درمان ويخرج الدخان من صدره المحتقن بالمرارات.. وقال إنه كمساعد للرئيس وبلا سلطة ولا تكليف.. وأفضل من حالة مساعد (الحلة) أي السائق المساعد لصاحب اللواري الذي تبدأ مهامه بنظافة اللوري.. ثم وضع الصاجات.. تحت إطارات السيارة في المناطق الرملية.. وحينما تتوقف السيارة في الفضاءات يقوم المساعد بدور الطباخ (بتظبيط) الحلة أي إعداد وجبة هنية من اللحوم.. ولكن الحكومة الآن حاربت تلك الظاهرة بالشوارع الأسفلتية، وتبدل اللوري هينو والكيواي.. والأوستن والنيسان أبو قرون والتيمس بالدفارات المتسوبيشي السريعة.. ولأن “مني أركو مناوي” من أطراف دارفور القصيّة اختار مثلاً من واقع البيئة التي عاش فيها.. ولم يبقَ بعد ذلك “مناوي” طويلاً في القصر خرج منه غاضباً ولم يعد حتى الآن أوصافه يعلمها الناس جميعاً.. المهم السيد “الميرغني” جاء بما لم يأتِ به “مناوي” وقال إن مهمته في القصر هي الإشراف على قاعة الصداقة فقط ولا مهام أخرى يؤديها في القصر.. وقد طلب من المسؤولين أن تسند إليه بعض الملفات ولم يجبه أحد برفض طلبه أو قبوله، وبذلك أقر “الحسن الميرغني” بأنه (قاعد ساكت) يصرف راتبه من الحكومة ولا يؤدي أي عمل، وأضاف “الميرغني” إلى نفسه قيادات أخرى من الحزب الاتحادي الديمقراطي قال إنها تصرف رواتبها من الدولة ولا تؤدي أي عمل.. وكاد الصحافيون أن يهتفون في وجه “الميرغني” (قاعدين تعملوا أيه ما تقوموا تروحوا) ذلك الهتاف الذي أوجع قلوب السودانيين في واقعة مباراة الجبل الأخضر حينما لعب المريخ مع الأهلي القاهري في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي وتقدم المريخ بهدف السبق.. وهتفت الجماهير السودانية المتعطشة لأي نصر تحققه الفرق السودانية على المصرية: بالطول بالعرض مريخنا يهز الأرض تيت تيت مريخنا حديد وسرعان ما عادل الأهلي بهدف رمضان” الذي راوغ لاعب المريخ “حبني” بطريقة مدهشة وأضاف “رمضان” الهدف الثاني وحينما بلغت الأهداف أربعة هتف المشجعون المصريون: ما قلتوا مريخنا حديد الأهلي سيّحو، قاعدين تعملوا أيه ما تقوموا تروحوا.. المهم إذا كانت تلك حال وزراء الحزب الاتحادي الديمقراطي في حكومة الوفاق الوطني من حق المواطنين السؤال قاعدين تعملوا أيه.
(2)
عندما فكر المؤتمر الوطني في التغيير الوزاري.. وتراجع بعد ذلك عن الخطوة واحتفظ بذات الوجوه التي لا يمكن وصفها بالحرس القديم لأنها حديثة عهد بالوزارات كانت رؤية أغلب القيادات الاستفادة من طاقات الدكتور “بشار شوقار” في وزارة الشباب والرياضة التي تمثل نقطة ضعف وثغرة كبيرة منذ أن فارقها أهل التخصص وأصبحت عرضة للمساومات والترضيات والتوازنات الجهوية، ولكن لسبب يتصل بالاتحاد الوطني للشباب السوداني، تم صرف النظر عن الاستعانة بـ”شوقار” في الوزارة لا بسبب وجود البديل.. ولكن خوفاً من تعرض الاتحاد الوطني للشباب لنكسة كالتي تعرضت لها أمانة الشباب في المؤتمر الوطني بعد مغادرة “أسامة عبد الله” لها.. ود.”شوقار” الذي جاء اختياره في الاتحاد الوطني للشباب في ظروف استقطاب حادة وتجاذبات بين أقطار الحزب وشكوك حول ولاء الأشخاص للحرس القديم وثنائية “نافع” و”علي عثمان” إلا أن “شوقار” أثبت قدراته في التخطيط والبناء والتفاعل الإيجابي مع قطاعات شباب وطنية من خارج منظومة المؤتمر الوطني.. احتفظ لهذا التنظيم الشبابي بقدر كبير من الاستقلالية ليعبِّر عن طموحات الشباب القومية أكثر من (انكفائه) على مكون المؤتمر الوطني الغالب في أجهزة الكيان بسبب مقاطعة الآخرين وعزوفهم غير المبرر وفي خضم ذلك كانت نجاحات الاتحاد الوطني للشباب السوداني في مشروعات توظيف وتنمية قدرات الشباب وتمويل المشروعات البديلة لضيق الوظيفة.. وحشد الاتحاد قدرات محدودة ووظفها في مشروعات الخريج المنتج.. والشباب المنتج.. واختار “شوقار” نهجاً وسطياً بين الإعلام الرشيد والإعلام الدعائي.. وقد لعب الأستاذ “عبد الرحمن محمد عبد الرحمن” بحيويته ومقبوليته وسط الإعلاميين دوراً مهماً في نشر نشاطات الاتحاد الوطني دون إفراط ودعاية ضارة، لذلك يمضي الاتحاد الوطني في تنفيذ برامج رمضان قريباً من نبض الناس وحاجاتهم.. وحينما ينزل قادة الاتحاد للشوارع يقدمون وجبات الإفطار للعابرين والمحتاجين إنما يقدمون للشباب صورة غير تلك الصورة النمطية التي رسخت في مخيلة الناس.. شكراً لـ”شوقار” الأستاذ الجامعي الذي يخطط لمستقبل طلابه برؤية ثاقبة وفكر مستنير ووسطية منهج عقلاني.
(3)
في سنوات ولاية الخرطوم (الناضرات) أيام الوالي “عبد الرحمن الخضر” الذي خرج من الولاية وتركها لها بريق ومشروعات تنموية وعمرانية ولم يعرف الناس قدر “عبد الرحمن الخضر” إلا بعد فشل الجنرال “عبد الرحيم محمد حسين” الذي يشغله جداً سؤال الرئيس “البشير” عن نظافة الخرطوم ولا يشغله سؤال المواطنين العاديين عن العلاج من الإسهال المائي، وفي عهد د.”الخضر” كانت مشروعات توفير الألبان والخبز المخلوط والمواصلات هم وشغل السلطة.. وفي إحدى الزيارات التفقدية للرئيس “البشير” لمشروعات ولاية الخرطوم.. كنا برفقة الأخ الرئيس الذي يحب ملاطفة الناس.. وإشاعة مناخ البهجة والفرح.. تفقد الرئيس مزارع لإنتاج الأغنام التي تم استيرادها من هولندا وسوريا.. وهي أغنام تنتج (10) أرطال من اللبن أي ما يعادل إنتاج ثلاث من أبقار أهلي البقارة.. وجه الرئيس السؤال لشخصي يا “يوسف عبد المنان” شوف الغنم دا ما أحسن من بقر أهلك البقارة؟؟ أحسن تعال “عبد الرحمن الخضر” بديك غنمايتين من البقر، الكل يوم ماشي ليها في كردفان، ضحكت وقلت للرئيس آخر الزمن بنات الحوازمة يسمعن بـ”يوسف” أصبح بتاع نعيز ساكت؟؟ ضحك الرئيس وحينما يضحك الرئيس الآخرون من حوله مجبرين على الضحك، تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ في كتاب الباحثة الكردفانية “أمل محمد فضل”(كردفان ما وراء قطاطي القش) وهو كتاب جدير بالقراءة.. خاصة الأدب الشعبي الذي يمجد الإبل والبقر.. ويقلل من قيمة الماعز والضأن حيث أوردت على لسان شاعرة من بادية المزروب وهي تمجد ابنها..
جدك ما نشق بي تك
عيل البي عقاله برك
جدك ما ظغن بسخيل
عزك بنات جانديل
وقديماً تباهى راعي الإبل والضأن وقال راعي الإبل..
وقع مطر البطين للمسادير خسر
وسيد أم قجّة على راعي النعاج انتصر
أمان البهيج بعد النجم مو عصر
ما جابولن العيش للعليقة وقصر
ستظل تربية الحيوان من أجل التباهي الاجتماعي واحدة من مقعدات نمو قطاع الثروة الحيوانية في بلادي إذا كانت العنزة تنتج (10) أرطال والبقرة (3) أرطال.