رأي

بعد ومسافة

        أزمة الخليج .. الحكمة تقود إلى الحل
مصطفى أبوالعزائم
     ونحن داخل السرادق المضيء الضخم الواسع الذي احتل مساحة كبيرة من فناء المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالخرطوم، بدعوة كريمة من الجماعة ورئيسها العام الشيخ الدكتور “إسماعيل عثمان الماحي” لمشاركتهم الإفطار الرمضاني السنوي للجماعة الذي درجت على تنظيمه كل عام، ويشاركهم فيه السيد الفريق أول “بكري حسن صالح”، النائب الأول لرئيس الجمهورية وعدد كبير من رؤساء وقيادات الأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية والدينية والدعوية، كنا مجموعة تتحلق حول مائدة رمضانية نمثل أطيافاً مختلفة المشارب والأفكار ولكن يجمعها الهمُّ العام.. همّ الوطن وهمّ التعقيدات التي من حولنا داخل دوائر الانتماء سواءً كان ذلك على مستوى الجوار أو على المستوى الإقليمي أو على المستويين العربي والإسلامي أو حتى العالمي حيث أصبح العالم الآن قرية صغيرة يتأثر بعضها بما يحدث للبعض الآخر ويؤثر فيه بالضرورة.
      حديثنا كان حول الأزمة الأخيرة التي نشبت بين بعض دول الخليج العربي الشقيقة،  وأدت إلى قطع علاقات كل من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين من دول مجلس التعاون الخليجي مع دولة قطر، وقد جاءت  مصر من خارج دول المجلس تلك لتكون ضمن المقاطعين الذين لم يكتفوا بقطع العلاقات الديبلوماسية وحدها بل امتدت مقاطعاتهم لكل أشكال التعاون الاقتصادي والتواصل البري والبحري والجوي،  وأنها لعمري أخطر الأزمات التي تواجه الأمة العربية بأكملها لا منظومة الدول الخليجية وحدها، ولأنني لم استأذن من كانوا معنا على ذات المائدة وهم قيادات حزبية بارزة، فإنني سأكتفي بنشر أبرز اتجاهات الرأي عندهم دون الإشارة إليهم، لكن أهمية عكس آرائهم تنبع من كونهم يمثلون قطاعات وشرائح مهمة ومقدرة من النخب السياسية السودانية التي تعبِّر عن عدد كبير من أبناء هذا الشعب.
    هناك إجماع تام على أن الذي حدث في الخليج هو أمر خطير سيكون له ما بعده ولن تقف الأمور عند هذا الحد، وأنه ربما لحقت دول أخرى بالمقاطعة التي استهدفت دولة قطر الشقيقة، وربما امتد الأمر إلى توترات في العلاقات مع بعض الدول الأخرى من خارج المنظومة العربية أو الخليجية مثل تركيا على خلفية دعمها لجماعة الإخوان المسلمين المتهمة دائماً بأنها وراء الجماعات المتطرفة في المنطقة والتي تُفرِّخ حركات أكثر تطرفاً ودموية تهدد الأمن والسلم العالميين، وذلك مع استصحاب مجموعة من الأحداث والحوادث الإرهابية التي أخذت تتوالى في كل قارات الدنيا الواسعة العريضة لكن صداها يتردد في كل بيت في العالم بحسبان أن العالم أصبح قرية صغيرة تؤثر الأحداث فيه على كل جزء فيه.
       مجمل الحديث انصب على الموقف الذي يجب أن يتخذه السودان في هذه الأزمة، وموقف السودان من هذه الدول الآن هو الأكثر تعقيداً، فعندما انصرف عنه الأشقاء والأصدقاء لم تجد الخرطوم سوى قطر تعين وتسد فراغات الذين استجابوا للضغوط الغربية التي قادتها واشنطون لمحاصرة السودان ومقاطعته اقتصادياً، وكان موقف مصر بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا معادياً للخرطوم بصورة واضحة، حتى أن قوة من الجيش المصري دخلت مثلث حلايب واحتلته بعد أن حاصرت القوة العسكرية السودانية التي كانت هناك، وهو ما تسبب في خلق أزمة بين البلدين الشقيقين لم تنتهِ إلى يومنا هذا وربما تفاقم الوضع أكثر في مقبل الأيام مع التطورات السالبة في منطقة الخليج، إذا لم يتدخل العقلاء هناك لاحتواء الموقف المتأزم، خاصة وأن بعض النخب المصرية ما زالت ترمي بسهام الاتهامات في مواجهة حكومة السودان بأنها داعم أساسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وهو الأمر الذي ظلت الخرطوم تنفيه على الدوام .
     الآن أصبح هناك تكتل عربي وخليجي ضد دولة قطر أسبابه واضحة ولا تخفى على أحد، وأصبحت الدوحة في موقع المُحَاصر من كل الجهات، مع تنبيهات واضحة بأن مواقف الأشقاء تجاه قطر لن تتغير ما لم تتغير مواقف الدوحة من الجماعات الإسلامية ودعمها للجماعة العالمية للإخوان المسلمين، وهو موقف قد يُحرِّك تركيا في هذا المحيط المضطرب بأن تدعو هذه القيادات إلى أنقرة لترفع الحرج عن قطر والقيادة القطرية، وهذا أمر وارد لكنه ليس بالمؤكد، وإن لم يحدث هذا سيجد السودان نفسه في موقف حرج بين مساندة قطر التي ساندته يوم أن انصرف عنه الناس وبين الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان الأساس في التحركات الفاعلة من أجل رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، والخرطوم اليوم تقف موقف المساند والمعاضد للسعودية وحلفائها في حربها على اليمن ومواجهتها للنفوذ الواضح والمستتر لإيران في المنطقة، خاصة وأن الخرطوم قامت بقطع كل علاقاتها مع طهران إيذاناً بالتأكيد على الانتماء العربي والعقدي والديني للمحور السني الذي تتزعمه الرياض.
     شخصياً أثق في حكمة القيادة العربية السعودية وحكمة القيادات في منطقة الخليج العربي وحسن تقدير القيادة القطرية للمواقف ضد الدوحة، بما يقود إلى إيجاد حل عاجل للأزمة خاصة بعد التحركات الكويتية والعُمانية لاحتوائها قبل أن تتفاقم، ولا نستعبد قيام قيادات سودانية بزيارة إلى الرياض خلال اليومين القادمين للتشاور وطرح بعض المقترحات للحل ليصبح دور الخرطوم توفيقياً بين الأطراف خاصة وأن السودان الآن يجد الأذن الصاغية الواعية التي تستمع إلى طرحه وتقييمه للأزمة ونتائجها، وربما قاد مبادرة تعمل على أن ترفع قطر يدها عن دعم الحوثيين في اليمن ودعمها غير المحدود لحزب الله والجماعات الإسلامية في ليبيا وغيرها إلى جانب المواقف القريبة من مناصرة السياسات الإيرانية في المنطقة، ليس خروجاً عن مبدأ بقدر ما هو عدم خروج عن الإجماع العربي الإسلامي السني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية