بعد ومسافة
يا “بحر” و يا “مأمون” .. أين الحقيقة؟
مصطفى أبو العزائم
ليس لدى المختصين في الشأن الصحي العام أدنى شكك بأن موجة الإسهالات المائية الجارفة التي أخذت تضرب في مجتمعنا متخذة من ولاية النيل الأبيض منصة انطلاق لها لا تخطئ الهدف، وكأنما منبعها دولة جنوب السودان التي تعاني من ويلات الحرب والجوع والفقر والمرض، وكلها بلا شك أقوى محفزات التلوث والخراب والموت.
قالوا.. إسهالات مائية في سكتنا ولم نقل شيئاً على أمل أن يتم إعلان حالة الطوارئ لمحاصرة هذه الكارثة القادمة من دولة جنوب السودان، ولكن لا أحد اهتم بإعلان حالة الطوارئ رغم الاهتمام بحالات الإصابة بالمرض القاتل والذي لا نشك البتة في أنه زحف بقوة من جنوب ولاية النيل الأبيض إلى شمالها مروراً بالمدن الكبرى فيها، حيث لم تسلم منه مدينة ولم تخل دفاتر الوفيات من أسماء متوفين أصابتهم لعنة المرض القاتل.
الصحافة وأجهزة الإعلام تعاملت بحكمة مطلوبة في مثل هذه الحالات، فاكتفت بما تصدره الولايات أو الوزارات المختصة من بيانات توضيحية لم تتم الإشارة فيها إلى أن هذه الكارثة السائلة مرض آخر غير الإسهالات المائية، ورغم روائح نتنة انتشرت في فضاءات الأسافير تحملها رياح التطبيقات الإلكترونية مقترنة بصور بشعة ومحزنة للضحايا، كانت تقول بأن الحالة أكبر وأخطر مما تتصوره الحكومة وولاة الولايات والوزارات المختصة.
الأمراض الخطيرة التي تنتقل من شخص لأخر لا يمكن أن تقف عند من تصيب، فمرحلتها طويلة، وهي تحمل معها منجل الموت وتحصد به أرواح الذين تصيبهم أن لم يتدارك المسؤولين الأمر، وهي – أي الأمراض لا تعرف الحدود، لذلك انتقلت إلينا من دولة جنوب السودان وإلى أقرب الولايات الحدودية من داخل معسكرات اللجوء لتنتشر في كل الولايات الحدودية، ومنها إلى بقية إنحاء الوطن خاصة المناطق التي تعاني من البيئة المجتمعية المتدنية التي تعرض فيها مياه الشرب إلى التلوث وتعاني من تدني مستوى الوعي لدى قاطنيها.
بالنسبة لصاحبكم فإن التسمية لا تهتم كثيراً أن كانت إسهالات مائية أو غيرها، لكن المهم هو إعلان الحقائق من خلال بيانات صادقة انتظرها الناس كثيراً ممهورة بتوقيع وزير الصحة الاتحادي الأستاذ “بحر إدريس أبو قردة” تكشف حقيقة المرض ويتم من خلالها إعلان حالة الاستعداد القصوى لمواجهة الكارثة، وينتظر مواطنو الخرطوم الولاية بيانات شجاعة من البروفيسور “مأمون حميدة” وزير الصحة بالولاية الذي عهدناه شجاعاً مصادماً وجريئاً، لكننا نتعجب من حالة الصمت المريب التي تلفه وكل المسؤولين بوزارة الصحة في ولاية الخرطوم، ونحن نشهد حالات من المرض تدخل المستشفيات الطرفية أو في وسط المدن الكبرى بالولاية، ولا ينجو منها إلا محظوظ حمله أهله للعلاج وهو في أول مراحل المرض، ونعلم جميعاً أن العلاج بسيط ولا يكلف شيئاً إذا ما بادر المصاب بالذهاب إلي أقرب مستشفى أو مستوصف حكومي.
الكارثة المؤدية إلى كارثة أكبر هي عدم الوعي بالمرض وطريقة الوقاية منه وكيفية العلاج مع ضعف القوة الصحية والطبية العاملة في جانب المكافحة والعلاج، وهذا كله سيصبح سهلاً إذا ما أعلنا بكل شجاعة عن حالة التأهب من خلال إعلان حالة الطوارئ قبل أن يستفحل الأمر، لأن ذلك الإعلان سيجعل كل الأطباء والكوادر الطبية المساعدة على أهبة الاستعداد لمحاربة المرض اللعين وإيقاف انتشاره، وسيجد الإعلان من حركة اللاجئين الذين يتجوَّلون بكل حرية ليست داخل معسكرات اللجوء وحدها، بل خارجها سينتقلون من مدينة إلى أخرى حتى بعد أن أصبحوا غرباء عن هذا الوطن.