حوارات

النائبة البرلمانية بالمجلس الوطني بروفيسور "نوال خضر نصر الأمين" في أول حوار صحفي (2 – 2)

* كنت أنتقد شيخ “حسن” كثيراً والكثيرون كانوا يقولون لي (نحن بنستغرب شيخ حسن دا بصبر عليك ليه!!) .. هذا هو سبب صبر شيخ “حسن” عليّ…!
* لهذا السبب كنت أرفض المشاركة في الحكومة.. ولهذا السبب (…) قبلتها!
* نريد أن نخلق ثقافة تعدد الآراء والحكومة تكون قوية حينما تكون معارضة البرلمان قوية!
* هذا الموقف مع شيخ “حسن” كان له أثر قوي في حياتي…!
حوار –  سوسن يس
جلسة المجلس الوطني التي تحمل الرقم (15) في دورة انعقاده الخامسة، والتي انعقدت بمشاركة (55) نائباً جديداً تم تعيينهم في البرلمان في إطار الوفاق السياسي، بواسطة رئيس الجمهورية، كانت محط أنظار الجميع، لأنها تشكل نقطة البداية لعهد جديد في برلمان ما بعد الحوار الوطني ..
وأول ما لفت الأنظار في أولى جلسات المجلس كانت (لا)  كبيرة ويتيمة  ترددت في جنبات القاعة الكبرى في جلسة التداول والتصويت على تعديل المرسوم المؤقت لقانون مجلس العدل لسنة 2017م .. حيث اعترضت البروفيسور “نوال خضر” ممثلة المؤتمر الشعبي بالبرلمان، على أن يكون رئيس الجمهورية رئيساً للمجلس، ثم صوتت (بلا)، رافضة إجازة التعديلات،  في حين صوت جميع النواب بمن فيهم نواب حزبها، لصالح إجازة تعديل المرسوم.
(المجهر السياسي) التقت بروفيسور “نوال خضر”
وأجرت معها هذا الحوار.. فإلى مضابطه:

} المعروف عن البرلمان أن ما يحركه هو أغلبية الوطني الميكانيكية.. لذلك هناك سؤال عن مدى ما سيشكله النواب الجدد الـ(55) من تغيير في فاعلية ودور البرلمان خلال المرحلة القادمة، لكن من خلال الجلسة الأولى التي شهدت إجماعاً بـ(نعم) مقابل (لا) واحدة، يبدو أنه لن يكون هناك تغيير يذكر؟!
– أنا ظني حسن، والمؤمن حسن الظن، والله تعالى يقول (… اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ …)، أنا لن أظن أن كل شيء سيمشي بالأغلبية الميكانيكية. بمعنى ماذا؟.. بمعنى أن الشخص البرلماني هو أصلاً يناقش أشياء تخص حياة المواطنين.. فإذا كنا (400) شخص و(300) منهم مؤتمر وطني، (نحن ما قاعدين في البرلمان عشان لما الوزير الفلاني يجي يقيف قدامنا يقدم برنامجه نصفق ليهو عشان هو مننا!)، لا نحن نأتي إلى هنا لأن (حزبنا دا ماسك البلد).. طبعاً أنا أتكلم باعتبار أن هذا هو المفترض في المؤتمر الوطني – هل هذا هو ما يحدث أم لا أنا لا أعرف، ولكني أتكلم باعتبار أن هذا هو الذي يجب أن يحدث، نحن أغلبية في البرلمان وهذه حكومتنا وأصلاً الحزب الحاكم يكون حريصاً على أن تتقدم البلد وتمشي إلى الأمام.. إذن  عندما يأتي وزير ويقف أمام البرلمان يقدم شيئاً يحتاج للإجازة، هؤلاء الـ(300) يفترض أن تكون لهم آراء يطرحونها ويناقشونها، لا أن يبصموا على كل شيء..  هذا هو ظني، الظن الحسن.
أنا لو كنت وزيراً وطرحت خطة في البرلمان لإجازتها ووجدت هذه الخطة نقاشاً وانتقادات شديدة وتحدث الناس عن نقاط قوتها وعن نقاط ضعفها وصححوها وقوموها، فأنا كوزير سأكون واثقاً من نفسي.
} (لكن دا ما ياهو الحاصل الآن).. !
–  (ونحن عايزين نصلح الحاصل!).. الحاصل أنت كيف تقوم بإصلاحه؟ كيف تصلحه؟ تصلحه بأن تأتي بثقافة جديدة، هناك أناس ليست لديهم المقدرة على أن يقولوا هذا صحيح وهذا خطأ.. نحن نريد أن نخلق ثقافة اختلاف وتعدد الآراء، (أصلاً نحن ما راجيين نغير البرلمان، ولا منتظرين نقول لناس المؤتمر الوطني إنتوا صح أو غلط).. نحن منتظرون نتابع برنامج حكومة الحوار الوطني، ونريد أن نخلق ثقافة اختلاف الآراء، عادة الحكومة في العالم لماذا تكون قوية؟.. تكون قوية لأن معارضة البرلمان قوية، ومعارضة البرلمان قوية هذا لا يعني أن (أي كلام تجيبو الحكومة نكون ضده)، لا،  قوية بمعنى أن عندها القدرة على دعم الحكومة في القرارات القومية التي تؤثر على البلد وطرح الرؤى والأفكار، ليس فقط الانتقاد.
} دكتورة أنت كنت من الرافضين للمشاركة؟
-نعم أنا كنت ضد المشاركة، وكنت مع الحوار لأنني كنت مؤمنة ولا زلت أن الحوار هو الطريق الوحيد لسلام واستقرار البلد، أنا كنت أرفض المشاركة لعدة أسباب.. السبب الأول كنت أرى أن المؤتمر الشعبي عليه أن يحرس مخرجات الحوار بالنصح والمتابعة وبتمليك المخرجات للشعب السوداني حتى يصبح قوة دافعة لمتابعة مخرجات الحوار، وكنت أرى أن مشاركتنا في الحكومة تقلل من جهدنا في هذا الدور. السبب الثاني (اتقوا الشبهات)، كنت أريد أن نتقي شبهة أن المؤتمر الشعبي يريد أن يحظى بوزارة، السبب الآخر كنت أريد أن نفسح المجال للآخرين – بالرغم من ما يقال عن أنهم أحزاب صغيرة لكن كنت أريد أن نفسح لهم المجال، هذا هو رأيي في المشاركة وكنت أرفضها من هذا المنطلق ولكن أنا ملزمة بقرار القيادة، والتزامي بالقرار له مبرراته، ليس لأنه هو قرار الحزب، فأنا كان بإمكاني أن أقول والله أنا ضد المشاركة وأنتم قررتم (فخلاص أنا بقعد وانتوا شاركوا ) – وأنا ما كنت أساسية في الترشيحات وسأقول لك كيف تم ترشيحي –  لكن  قناعاتي أصبحت أنه طالما الجماعة قالوا إن المشاركة ضرورية، فربما هم على حق، ربما هم رأوا ما لم أره ورأوا أكثر مني، إذن فليكن.
} كيف تم ترشيحك؟
– أنا لم أكن من المرشحين.. رشحوا (5) أشخاص واعتذر “شرف الدين بانقا” وكانوا يريدون شخصاً في مكانه.. ورشحوني أنا، ليس لأنه ليس هناك غيري، ولكن لأنه وحسب النظام الأساسي يفترض أن يكون للنساء ما نسبته (20%) من الترشيحات، فعندما اعتذر “شرف الدين بانقا” كانت هذه فرصة لتأتي امرأة حسبما يقول  النظام الأساسي، وهناك كثيرات غيري كان يمكن أن يأتين ولكن لتقدير من الله تعالى تم ترشيحي وهذه ثغرة طلب مني التنظيم أن أسدها ولم أرغب في الاعتذار ومن هنا شاركت.
} دكتورة “نوال” كيف كانت علاقتك بشيخ “حسن”؟ وهل هناك مواقف لك معه لا تنسينها؟
– أولاً أترحم على شيخ “حسن”.. له الرحمة والمغفرة.. وأنا والله تعلمت من شيخ “حسن” أشياء كثيرة جداً: أولاً شيخ “حسن” أصلاً لا يشعرك وأنت تتعاملين معه أنك امرأة.. شيخ “حسن” يتعامل معك بعقلك، لذلك دائماً وأنت معه تشعرين أنك تستخدمين عقلك، الشيء الآخر شيخ “حسن” كان بابه مفتوحاً في أي وقت يمكنك أن تذهبين وتجلسين وتتحدثين معه، وهو في أي وقت عنده استعداد يناقشك، هناك مواقف كثيرة راسخة في ذهني مع شيخ “حسن”، وأنا بعد فضل الله، تعلمت العمل السياسي من شيخ “حسن”، وسأحكي لك عن ذلك: أنا بدأت أعمل مع شيخ “حسن” مباشرة منذ 2007.. في الأيام الأولى كان حين يحدث شيء وهو يبدي رأياً، كنت أذهب إلى البيت وأنا (زعلانة جداً) وأنا أقول لنفسي (دا شنو الكلام البقول فيهو دا!)، وبعد فترة أكتشف أن ما قاله شيخ “حسن” قبل شهر حدث الآن! هو رآه قبلنا.. بعد ذلك أصبحت أفكر بطريقة مختلفة.. ما يقوله شيخ “حسن” لا تنظري له في إطار اليوم ولا في إطار الأيام التالية حتى.. وأحياناً ولا تنظري له في إطار الدنيا حتى !! هذا هو معنى أن يكون توجهك لله. في أحيان كثيرة تشعرين أن هذا الحديث أبعد من أن تنظري له في إطار الدنيا، لكن له ما بعده! وأذكر أنني مرة قلت له: (والله يا شيخ حسن أنا مرات قاعدة أفهمك بعد 15 يوماً وأحياناً بعد شهر فعليك الله لو سمحت براحة براحة عشان النوعية دي)..
فهذا جعل طريقة تفكيري تختلف، أصبحت لديّ المقدرة على سماع رأي الآخرين بطريقة مختلفة، (مش الزول يقول رأي وطوالي أحكم عليهو بالحاجة الفي ذهني).. فسماع رأي الآخرين وتقبل الرأي الآخر هذه مهارة أنا تعلمتها من شيخ “حسن” بمرور الزمن (فهو لم يقل لي يا نوال اعملي كذا أو ما تعملي كذا)، وشيخ “حسن” كان (لما تنتقديه ما بزعل).. أنا كنت أنتقده كثيراً والكثيرون كانوا يقولون لي (نحن بنستغرب في شيخ حسن دا بصبر عليك ليه؟!).. شيخ “حسن” كان يصبر عليّ لأنه يريد أن يدربني.. فهو كان يدربني ولم يكن يدربني وحدي وإنما كان يدربنا جميعاً، (فحكاية إنو هو يقول حاجة ونوال دي تشب ليهو في حلقه وتقول ليهو لأ ما كدا) .. هذا معناه أن “نوال” هذه تفكر.. لذلك أنا قليلاً قليلاً بدأت  أحس أن شيخ “حسن” عندما يقول شيئاً أنت لا تأخذ حديثه في حيزه الضيق، وهذا هو ما أعطاني مهارة الاستماع للآخر وتقبل الرأي الآخر كما قلت لك، ليس هذا فقط، وإنما مهارة أن تضع نفسك في مكان الآخر.. فأنا كثيراً ما كنت أقول بيني وبين نفسي (هو شيخ  حسن يقول كدا لييه، هل لو أنا كنت في مكانه كنت سأقول هذا).. هذه علمتني أن أضع نفسي في مكانك قبل أن أحكم على رأيك، وهذه مهارة يدربون الناس على اكتسابها الآن في العالم.
} موقف لك معه كان له أثر على قناعاتك أو على حياتك.. هل يوجد؟
–    هناك موقف كان له أثر قوي في حياتي، في بدايات عملي معه في الأمانة العامة أذكر أن أحد  الاجتماعات بدأ الساعة (8) مساءً وامتد حتى الساعة (12) بعد منتصف الليل، في صباح اليوم التالي ذهبت له وقلت له (والله يا شيخ حسن عبد الله الترابي، أنا ما قاعدة أخاف وأنا أسرياً ما عندي مشكلة أكان رجعت البيت بعد الساعة 12، لكن أنا بعيش – وأنا كنت ساكنة المعمورة ولاحظي المعمورة ليست كالأحياء الشعبية – قلت له أنا  بعيش في حي ما فيهو زول بتدخل في حياتي، لكن أنا كامرأة، أفتح الجراج بعد الساعة 12 وأدخل العربية “اجتماعياً ما بتكون مقبولة”، أنا يا شيخ حسن ما دايرة أجي أحضر اجتماعات وأرجع نص الليل لأنو أنا دايرة احترم حاجات المجتمع).. لم يقل لي (إنتي ما عاملة فيها قوية!!)، ولم يقل لي نحن نريد أن نخرج المرأة من قيود المجتمع، ولم يقل لي شيئاً ولم يناقشني.. استمع إليّ ولم يرد ولكن ومنذ ذلك اليوم وإلى أن توفاه الله أصبحت سنة إلى الآن، الاجتماع يبدأ الساعة (11) صباحاً وينتهي (4)، (مش لأنو يا سلاااام شيخ حسن سمع كلامي، لكن لأنه احترم قناعاتي، وثانياً هو يريد أن يدعمني عشان أمشي لقدام).
المواقف مع شيخ حسن كثيرة ومهما تحدثت عنه لن أوفيه حقه.. وبعد أن صمتت برهة تابعت: أذكر أنه في إحدى المرات سألني قال لي: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد)، قال لي (يا نوال السورة دي بس بتتكلم في “الكتابة” والحادثة بتاعة السحر واللا عندها ما بعدها؟).. قلت له (تفتكر شنو؟)، قال لي (والله أنا ذاتي قاعد أفكر زيك! يعني شوفي شخص يعطيك إحساس هو بفكر زيك معناها إنت بتفكري!).
} في ختام هذا الحوار نريد إضاءة حول “نوال خضر”.. من هي “نوال خضر نصر الأمين”؟
} أنا “نوال خضر نصر الأمين”.. نشأت في مارنجان حلة حسن.. درست المتوسطة بمدرسة ب – مدني ثم مدني الثانية بنات- تخرجت في جامعة الخرطوم كلية العلوم، عملت ماجستير في جامعة فاخنن في مجال التربة والمياه – فيزياء التربة – ، في هولندا عملت الدكتوراة في برنامج مشترك بين جامعة فاخنن بهولندا، وجامعة الجزيرة وله علاقة بالتصحر والبيئة والأرصاد، عملت في مصلحة إدارة فحص التربة سابقاً، أبحاث الأراضي والمياه لاحقاً، بالبحوث الزراعية بمدني، عملت محاضراً بجامعة الجزيرة وانتقلت للعمل بجامعة السودان إلى أن أصبحت بروفيسور، اشتغلت كثيراً في مجالي وعندي كثير من البحوث والأوراق العلمية في مجال التخصص، عندي أحد أبحاثي في مجال التصحر والبيئة والإنسان، فاز بجائزة عالمية، شغلي العلمي كثير.
 عندي جانب آخر.. أنا مهمومة بقضية المرأة ومهمومة بعمل منظمات المجتمع المدني، دخلت الحركة الإسلامية منذ (83) وأنا لم أكن مؤتمر وطني في أي يوم من الأيام حتى قبل المفاصلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية