تقارير

نائب رئيس حزب الأمة في خندق واحد مع "حميدتي" في الميدان

هذا ما حدث في ميدان المعركة (1)
انكسر مرق “مناوي” وتشتت قادته
“حسبو”: الفاتحة على هؤلاء والرماد في خشم “عبد الواحد”
الفريق “حميدتي”: شركنا قبض!!
شرق دارفور
يوسف عبد المنان

ماذا حدث في شرق دارفور؟ ووادي هور في أقاصي الشمال؟ وما هي الأهداف التي تتخفى من ورائها سيارات اللاندكروزر التي انطلقت من دولتين مجاورتين ودولة ثالثة دبرت وخططت وموَّلت عملية الانتحار التي أقبلت عليها حركة “مناوي”؟ ولماذا لم تشارك مكونات الجبهة الثورية الأخرى من حركة العدل والمساواة التي ينشط قائدها “جبريل” هذه الأيام في شبكات التواصل الاجتماعي؟ وما الذي دفع بقائد قوات “عبد الواحد محمد نور” الدخول في معارك من غير جنود من حركته ليلقى المتمرد “طرادة” حتفه منتصف نهار (الاثنين) ما بين الملم وحافة جبل مرة الشرقية (منطقة توبو بالقرب من سوني)؟ وهل كانت المفاوضات غير المباشرة التي جرت في ألمانيا خديعة وتمويه من حركة تحرير السودان والغربيين من أجل تحقيق اختراق على الأرض؟ هذه أسئلة تمددت واتسعت ما بين الأرض التي جرت عليها المواجهة في ثلاثة مواقع: عشيراية بمحلية عسلاية شرق دارفور وبير مرجي بوادي هور أقاصي شمال دارفور وعلى حافة جبل مرة.
{ البحث عن التمرد في الأرض
في آخر جولة تفاوض مباشرة بين الحكومة ومتمردي الحركات الثلاثة الشعبية (قطاع الشمال) والعدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة “أركو مناوي” كان السؤال الذي قذف به د.”محمد مختار الحسين” في وجه الوسيط “ثامبو أمبيكي” والرئيس النيجيري السابق “أبو بكر” أين تتمركز قوات الحركتين الدارفوريتين على الأرض حتى نمضي في الترتيبات الأمنية والعسكرية؟، وقبل أن يجيب “مناوي” و”جبريل” على سؤال الدكتور “محمد مختار” يضيف اللواء “مصطفى أحمد المصطفى” نائب مدير جهاز المخابرات، وهو مفاوض حصيف، سؤالاً يربك الجميع يجب تحديد مواقع قواتكم الآن، وعلى السكرتارية تسجيلها، وفور التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار تنتقل لجنة من الطرفين والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للتحقق من الوجود على الأرض، كان “مناوي” و”جبريل” يهمسان لـ”أحمد آدم بخيت” و”التوم هجو” و”علي تراوي” ويخرجون من القاعة للقاء الأستاذ “عرمان”، ولأن نقطة ضعف هذه الحركات هي غيابهم من الأرض.. وفقدانهم لكل المناطق التي كانوا يسيطرون عليها.. وأي اتفاق سياسي وترتيبات عسكرية ووقف إطلاق النار هو بالضرورة بين قوات في حالة اشتباك على الأرض.. فأين لـ”جبريل” و”مناوي” بالقوات على الأرض والأول يقاتل إلى صف “سلفاكير” في دولة الجنوب، والثاني يقاتل في ليبيا نظير الدولار الليبي الذي يأتي من خزانة الضابط السابق في جيش العقيد “القذافي” الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر”.. ومنذ تلك المفاوضات ظل قادة التمرد يبحثون عن السبل والطرق التي تؤدي بهم إلى دارفور والسيطرة على الأرض لادخارها لنوائب الدهر.. وقد لاحت في الأفق تسوية تدفع بها الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت أن تمضي باتجاه تطبيع علاقتها بالخرطوم.. ولأن القوى الدولية تلعب على أكثر من ميدان ثم الإيعاز لـ”مناوي” و”جبريل” بالعودة للسودان والإشارة المباشرة لـ”حفتر” في ليبيا و”سلفاكير” في دولة الجنوب بضرورة إطلاق سراح هؤلاء.. وفي التقاليد السودانية إذا نزل عليك ضيفاً فواجب الإخاء والعشرة يتطلب أن (تعدي الضيف)، والتعدية هنا يضع أسلحة صنعت في روسيا.. وسيارات يابانية قديمة متهالكة لا تقوى على السير في الدروب الوعرة.. كشفت المعلومات التي حصلت عليها (المجهر) من القادة الميدانيين على الأرض ومن إفادات بعض أسرى معركة عشيراية.. إن الهدف الأساسي من العملية هو السيطرة على مناطق بير مرجي ووادي هور وأم برو والطينة في شمال دارفور وجعلها أرض محررة (يدخرها) “مناوي” للتفاوض المستقبلي.. وقد استغل “مناوي” مناخ وقف إطلاق النار وجرت بين كمبالا.. وليبيا.. والقاهرة.. وجوبا.. اتصالات.. وتنسيق مخابراتي لتنفيذ العملية الانتحارية في كمبالا، ظل العقيد “معتز” وهو ضابط مخابرات كان في الملحقية العسكرية بالخرطوم يعقد لقاءاته بالمتمردين السودانيين وفي وجوبا.. استغل الفريق “مجاك أكول” خبراته السابقة منذ أن كان السودان موحداً في رسم دروب الرحلة من تمساحة إلى داخل دارفور.. وكان الخيار الصعب أن تسلك القوة طريقاً يمر بأم دافوق.. وحتى جبل مرة، ولكن ربما ذكريات اندحار قوات المهندس “بولاد” جعلت قادة العملية يختارون الطريق الذي يقذف بهم إلى فم الأسد مباشرة من تمساحة إلى عسلاية.. مروراً بشعيرية.. وشرق نيالا.. ثم جبال عدولة.. وغرب الفاشر.. وصولاً إلى وادي هور.. لتلتقي مع القوات القادمة من ليبيا.. حيث زار الفريق “محمود حجازي” رئيس أركان الجيش المصري ليبيا.. وجاء “عبد الكريم شولي” أحد أبرز قادة التمرد.. وتسلم (4) عربات مصفحة إحداهما هي التي دهست الشهيد اللواء “حمدان السميح” واتجهت المليشيات التي يقودها كل الصف الأول لقوات “مناوي” و”خاطر شطة” ومحمد هارون” و”رجب شو” و”الصادق” وجميع هؤلاء لقوا مصرعهم في وادي هور، كما قال بذلك الوالي “عبد الواحد يوسف” والي شمال دارفور في إفاداته إلى الصحيفة من منطقة عشيراية.. أما لماذا لم تشارك قوات حركة العدل والمساواة فإن الإجابة.. لا وجود الآن لمقاتلين في جعبة “جبريل إبراهيم”، انفض منه الرجال وأصبح مثل السلطان “علي دينار” حينما وصلت قوافل الغزاة الإنجليز إلى وادي سيلي بالقرب من الفاشر، وسأل السلطان “علي دينار” في لحظة حاسمة عن فرسان السلطنة الفارس فلان.. والفاس علان، ولكن شقيقة السلطان قالتها: ألم تقتل كل هؤلاء الرجال؟ و”جبريل إبراهيم” انفض منه المقاتلين وفروا كفرار العنزة الصحيحة من القطيع الأجرب، وبات “جبريل” معلقاً على الأحداث وليس صانعاً لها مثل شقيقة الراحل “خليل إبراهيم”.
{ تفاصيل مهمة
حتى صباح أمس (الثلاثاء) فإن حصيلة القتلى في معركتي عشيراية ووادي هور لم يتم حصرهم بدقة.. حيث تناثرت جثث المرتزقة في الوديان والفلوات.. وهطلت أمطار الرشاش يومي (الأحد) و(الاثنين) في شرق دارفور، بينما الأسرى في المعركتين قد بلغ عددهم (136) أسيراً، منهم قائد العملية في عشيراية.. والمتحدث الرسمي باسم “مصطفى أدروب” الذي سألته الصحيفة عن البيانات التي تفيض بها وسائل الإعلام باسمه، فقال منكسراً: أنا وقعت أسيراً فكيف أصدر بيانات إعلامية.. طلب مني أحد المسؤولين إجراء مقابلة مع الأسير “مصطفى أدروب” وهو كادر خطابي كان ينشط في الجامعة الأهلية وفي ندوات حركة “مناوي” بالخرطوم، فقلت له (أخلاقياً) لا أستطيع إجراء حوار صحافي مع أسير لأسباب إنسانية.
في حديثه أمام القوات المنتصرة في عشيراية خرج الفريق “أسامة مختار” نائب مدير جهاز الأمن الوطني عن صمته.. واختار لغة رصينة تنفذ مباشرة إلى المتلقي متحدثاً عما قبل معركة عشيراية ووادي هور، حيث رصدت عيون جهاز الأمن ما يجري في تمساحة وسمعت أذان الجهاز ما كان يقوله المخططون للعملية في منطقة ذلة داخل ليبيا وجهاز الأمن يرصد حركة هؤلاء.. ويستمع لما تحمله خيوط الهاتف.. ونحن من حدَّد ساعة المعركة ومكانها.. ولأن بعض أحاديث المسؤولين ورسائلهم لا يفهمها الكثيرون إلا بعد فوات الأوان، فإن الفريق “أسامة مختار” يقول إن الرئيس “البشير” في حديثه بالساحة الخضراء.. وجه رسالة لهؤلاء المتمردين.. وكنا في جهاز الأمن نعتقد بأن حديث الرئيس سيفهمه المتمردين والمرتزقة، ولكنهم لم يفهموا تلك الرسالة فأقبلوا على خطوة الانتحار.. وقال.. “أسامة مختار” لقد انتهت حركة “مناوي” الآن ولم يتبق إلا القليل وإذا أذعن للسلام نرحب به، وإذا تمادى في أخطائه قواتنا على الأرض جاهزة.
ورفض الفريق “محمد حمدان دقلو” قائد قوات الدعم السريع الحديث في بادئ الأمر، ولكن الفريق أول “عوض بن عوف” حثه على مخاطبة المقاتلين والمواطنين الذين كانوا ما بين العربة اللاندكروزر والأخرى، بعضهم يرتدون ملابس مدنية.. ويحملون الأسلحة الخفيفة، وبعضهم يرتدون الملابس العسكرية وما هم بعسكريين، لكنهم مقاتلين للتمرد بشراسة بدوافع أكبر من القوات النظامية، لأن هؤلاء يقاتلون دفاعاً عن وجودهم بعد أن هددهم التمرد بالقذف بهم خارج دارفور.. “حميدتي” قال إنه لا يتحدث عن الدعم السريع الذي تتحدث أعماله وفراسة أبطاله.. وإنجازاته على أرض الواقع من أسلحة وذخائر.. وأسرى من المتمردين.. وقال “حميدتي” يدعون أنهم يطاردون قواتنا.. ولكنهم هم الهاربين من ميدان المعركة حتى اليوم، وقبل قليل أتلحس المتمرد “طرادة”.. نحن في سنجة تحدثنا لأبطال الدعم السريع بأن قواتنا في دارفور (نصبت الشرك) والآن شركنا قبض.. هؤلاء الخونة المارقين السكارى الحيارى سوف نطاردهم أينما ذهبوا ونقضي على التمرد حتى يعيش أهلنا في دارفور من فور وزغاوة وبرتي ورزيقات وبني هلبة ومساليت وقِمر في طمأنينة، ويعود الصفا والتعايش الذي كان سائداً في هذا الإقليم قبل فتنة التمرد، وقال “حميدتي” شهادته في نائبه الشهيد “حمدان السميح” لقد ذهب “حمدان السميح” لربه راضياً، هذا الرجل لا يخاف إلا من المولى عز وجل.
{ “حسبو” في قلب المعركة
عندما أخذت إرهاصات تشكيل الحكومة الجديدة تأخذ مكانها في مجالس السياسة نشطت بعض القيادات الدارفورية من الفاقد السياسي والتنفيذي البحث لها عن موقع يعيد إليها ذلك الألق القديم.. ولم يجد هؤلاء إلا موقع نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن”.. قال البعض إن المنصب يليق بدكتور “تجاني سيسي” وذهب آخرين إلى أن “علي محمود” هو الأحق بالموقع الرفيع.. وحتى المهندس “عبد الله مسار” كان يبحث عن دخول القصر نائباً للرئيس.. ولكن كان خيار الرئيس أن يبقى “حسبو” بعطائه وحماسته.. وزهده.. وتقشفه.. وعفة لسانه وبيض يديه.. وقبل ذلك القوى الاجتماعية التي تسنده في أرض الواقع.. بالأمس قاد “حسبو” وفداً رفيعاً مزج ما بين القومية.. والجهاز السياسي والتنفيذي.. جاء الفريق “عوض بن عوف” وزير الدفاع ورئيس هيئة الاستخبارات الفريق “جمال عمر” رجل الظل الخفي، والفريق “السر حسين”.. واللواء “مصطفى أحمد المصطفى”.. والفريق أمن “أسامة مختار” نائب مدير جهاز الأمن الوطني، واللواء “الفاضل الجزولي” من هيئة العمليات.. ونائب مدير عام قوات الشرطة ومن الوزراء “عادل دقلو” وزير الدولة بالسياحة ومن حزب الأمة الدكتور “محمد عيسى عليوة”.. وانضم إلى الركب في نيالا الفريق “صديق محمد إسماعيل” نائب رئيس حزب الأمة القومي وهو يشارك في عرس الشهيد “حمدان السميح”.. ومن القيادات السياسية بحزب المؤتمر الوطني اللواء “عبد الله صافي النور” نائب رئيس القطاع السياسي و”الضو الحاج” الوالي السابق ورئيس أمانة دارفور بالمؤتمر الوطني، وانضم إلى ركب وفد نائب الرئيس ولاة شمال وجنوب دارفور المهندسين “عبد الواحد يوسف” و”آدم الفكي محمد الطيب” وفي نيالا كانت أعراس الشهداء من عشيرة النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” تجعله يمشي على الجمر.. ويحدق في عيون أبناء الشهداء وآبائهم واللسان عاجز عن التعبير والمشهد البطولي لهؤلاء الصابرين على الجراح والباذلين الأرواح دونما ثمن إلا هذا البلد وترابه، إذا كانت قوات الدعم السريع والقوات المسلحة قد دفنت حركة “مناوي” في باطن الأرض وطوت صفحة أسماء قادتها من المليشيات “جمعة مندي” رئيس أركان قوات “مناوي” الذي قتل في رابعة النهار.. كما قتل “خاطر شطة” و”محمد هارون” و”رجب أشو” فإن من الرجال الذين ضحوا في سبيل النصر القائد الثاني لقوات الدعم السريع العقيد “حمدان السميح”.. وفي منزله بنيالا شمال كان العرس مهيباً.. والحزن بادياً على وجوه الرجال.. ووالد الشهيد “السميح” قد أقعده المرض، ولكن لم تهن همته ولا شجاعته وتماسكه.. وفي وقار الشيوخ أمسك بيد النائب “حسبو” وقال عبارة بليغة (حافظوا على البلد) وحينما تحدث الفريق “السر حسين بشير” نائب رئيس أركان القوات البرية، قال: إن الشهيد “السميح” كان بطلاً جسوراً وفارساً مغواراً.. وقال: إن الدعم السريع سوف يتم تدريبه في الأيام القادمة خارج السودان، ويتم الآن التخطيط لتكوين قوات نخبة خاصة، لأن هؤلاء الرجال هم من يسدون الفرقة، وكشف الفريق “السر” عن مقتل القائد “طرادة”.
ودعا الحركات المسلحة للاستسلام بدلاً عن مثل هذا المصير، لأن القوات في الميدان ألقت القبض صباح (الاثنين) على (68) عربة، بالقرب من جبل مرة، وهي آخر قوة لـ”مناوي”، وقال “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي حينما قدمه معتمد نيالا شمال “إسماعيل عبد الله” ارتفعت الهتافات تعبيراً عن الرضا.. والتقدير.. والثقة.. في “حسبو” الذي وصفته حكامه من دار الرزيقات في عشيراية (بالقصير جبل نيالا..) قال “حسبو”: إن قوات الدعم السريع تقاتل اليوم في جنوب كردفان متمردي قطاع الشمال وتقاتل في اليمن الحوثيين الشيعة دفاعاً عن السنة.. والشهادة لا تزيد هؤلاء الرجال إلا ثباتاً على الإقدام.. ولأن السودان اليوم في أيادي أمينة ورجال أفذاذ، فإن مسيرة الجهاد ماضية، وفي ذات الوقت يمضي الحوار الوطني لتتسع سفينته لكل من يقبل على السلام.. وصادق الفريق “عوض بن عوف” وزير الدفاع على ترقية الشهيد “حمدان السميح” لرتبة اللواء.. وفي منزل الشيخ “محمد آدم” كان الموقف عصيباً، وذلك الرجل السبعيني يقف شامخاً.. مبتسماً.. يمسك بيد الفريق “حميدتي” ويقول: أنت “حميدتي”؟ نعم يا أبوي.. هنا يقول الشيخ “محمد آدم”: لقد استشهد فلذات كبدي الاثنين “إسماعيل” و”بخيت” في معركة وادي هو وها هو شقيقهم الثالث خذوه ليدافع عن وطنه ونحنا راضين بتقديم أبنائنا الثلاثة فداءً للسودان وأهله.. وأمسك “حسبو” بيد والد الشهيدين ليبدو الرجل كبيراً جداً وشامخاً شموخ (جبل الداير) ونواصل..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية