تهميش (الجزيرة).. قراءة ثانية للتشكيل الوزاري
ضمت حكومة الوفاق الوطني التي أعلنت (الخميس) الماضي، في تشكيلتها (7) وزراء من دارفور و (6) وزراء من كردفان من جملة (31) وزيراً اتحادياً، فضلاً عن نائب رئيس الجمهورية، دعك من (كوتة) الإقليم في قائمة الـ (43) وزير دولة!!.
صحيح إنهم جاءوا من أحزاب مختلفة، ولكنهم من إقليم واحد، وقد كان الأوفق إعمال قلم التعديلات المركزية في (دسك) صناعة القرار ليحدث التوازن الجهوي المطلوب.
ولاية مثل ولاية الجزيرة.. مركز المعرفة والتنوير وعمود الاقتصاد ومطمورة نصف استهلاك القمح في السودان وكل إنتاج القطن وكثير من إنتاج الذرة، ولاية تمثل ثقل سكاني و حضري كبير، يأتي منها وزير (واحد)، وحتى هذا الواحد غير محسوب عند أهل الجزيرة من المهتمين والمهمومين بقضاياها ومشكلاتها ومشروعات تنميتها.
إذن الجزيرة ليس منها وزير اتحادي، وقد كان منها وزير المالية السابق “بدر الدين محمود” وذهب إلى حال سبيله، وكنا نحن – أبناء الجزيرة – نحمل عليه وننتقده في أدائه، لأن الجزيرة ليست قبيلة، ولا عمودية و لا ناظر عموم .. هي السودان مصغراً .. تجانساً وتصاهراً وولاءً قومياً، ليس فيه عنصرية و لا إثنية ولا جهوية .
لكننا فقط نتساءل، لأننا نعرف أن الذين يمسكون بقلم التصحيح يهتمون جداً بتفاصيل الموازنات الجهوية والقبلية.
ولو لم نكن نعرف ذلك، لما سألنا، فليكن كل مجلس الوزراء من دارفور.. بالكفاءة، أو من ” كسلا ” التي اختاروا منها (2) من (4) مساعدين لرئيس الجمهورية!!.
لقد كان غالب مجلس قيادة ثورة (مايو) عام 1969م، من (أولاد أم درمان) قبل أن يكونوا من (الضباط الأحرار) .. ابتداءً من العقيد “جعفر نميري ” إلى الرائد ” مأمون عوض أبو زيد ” .. رحمهم الله جميعاً، ولكن شعور الانتماء للقبائل والجهات كمظلات سياسية، لم يكن واضحاً في تلك الحقبة، فقد كانت (الطائفية) مظلة انتماء راقية أكبر من (القبلية) المنتنة!!.
كان الانتماء لطائفة (الأنصار) يجمع (الفور) و(الرزيقات) .. و (المسيرية) و(الزغاوة) .. و(البني هلبة) .. و(الكواهلة) و(الدناقلة) .
وكانت طائفة (الختمية) توحِّد الولاء وتؤلف بين قلوب (الهدندوة) و(البني عامر) .. و(الجعليين) و(الشوايقة) و(البديرية).
الولاء كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي للطائفة أو للحزب، وهذه درجة أرفع من الانتماء لقبيلة ثم لبطن و(خشم بيت) قبيلة، وهو ما يحدث للأسف في العام 2017م.
ولهذا بدلاً من أن يدير والي الجزيرة القادم من شرق السودان.. السيد “محمد طاهر أيلا ” الحكم في ولاية الوسط وعمود البلد بأبنائها الأكفاء، فإنها يديرها الآن بخاصته من أبناء “بورتسودان”، وكأن الجزيرة التي أنجبت عباقرة السياسة و الاقتصاد والفن وكرة القدم في السودان ليس فيها من يستحق الثقة ويناسب التكليف!!.
أنا أتعجب بعد هذا الكم الهائل من الوزراء ووزراء الدولة و ولاة الولايات من دارفور وكردفان أن تستمر الحرب في الإقليمين، وتظل جموع المتمردين في (الحركة الشعبية – شمال) وحركات دارفور المسلحة تكذب على العالم باسم (التهميش) و (الاضطهاد)!!.
هم مهمشون بينما وزير رئاسة الجمهورية من دارفور – و وزير الدولة بالرئاسة كذلك – ووزير رئاسة مجلس الوزراء، وزير الصحة، وزير الصناعة، وزير التربية والتعليم، وزير العمل، وزير الشباب والرياضة .
نحن لسنا بصدد (كتاب أسود) معاكس، ولكننا ننبه السادة ولاة أمورنا أن (التهميش السياسي) ضرب وسط السودان، وأن ما تعاني منه دارفور هو نقص في التنمية والخدمات، وهذا ما يهم المواطن الغلبان.. الفقير والمريض في “نيالا”، “الفاشر”، “الجنينة”، “الضعين” و”زالنجي”، وليس نقص في عدد الوزراء والحكام.
الذين يتقلبون في نعيم الوزارات باسم دارفور وكردفان سواءً هؤلاء .. أو أولئك المهاجرون في الحركات المسلحة، لا يمثلون إنسان دارفور، ولن يقدموا له ما يسعى إليه من خدمات، بل يخدمون أنفسهم وزعماء قبائلهم.. وكفى.