لمن فاتهم التوظيف
من أكبر الأخطاء للمجموعة الصغيرة من الموظفين الحكوميين الذين كلفوا بإدارة الحوار الوطني قبولهم بمبدأ (شيء خير من لا شيء) واهتمامهم بكثرة حشود اللافتات على حساب مصداقية وقيمة تلك الأصوات.. أصبح في تلك الأيام مطار الخرطوم معبراً لاستقبال مناضلين مزعومين وقادة حركات يحملون حقائب مهترئة وأوراق بالية.. ويزعمون أنهم قادة منشقين عن الحركات المسلحة ضاقوا ذرعاً بدكتاتورية د.”جبريل” وشوفونية “عبد الواحد” وعنصرية “مناوي” واستقبلت الخرطوم منشقين من الحركة الشعبية التي تناسلت وتكاثرت من أصحاب القضية الحقيقيين إلى الأغلبية الصامتة ونوبة المهاجر ومؤتمر البجة والمنبر الديمقراطي وأكثر من سبعين حزباً، أغلب تلك الأحزاب محمولة على حقائب (تمكَّنا) التي تركها أهلها الحقيقيون لمن ركبوا القطار في عربة الفرملة.. هؤلاء القوم ظلوا يترقبون حصاد الحوار ليمطر عليهم سحائب سلطة ومياهاً تروي ظمأهم وعطشهم، وقد حار الجنرال “بكري حسن صالح” في كيفية توزيع سلطة محدودة لأكثر من مائة وعشرين حزباً، وحركة سياسية.. ولكن واقع تلك الحركات يقول باستثناء المؤتمر الشعبي وقريباً من نحو ذلك منبر السلام الذي جمع عدداً كبيراً جداً من العنصريين وقليل من قادة الحركات المسلحة، فإن بقية الذين يزعمون بأنهم أحزاب وكيانات مسلحة ما هم إلا أفراد كانوا يتسكعون في طرقات السياسة يتبضعون من أخطاء النظام وتخبط قادته.. واليوم ما بعد انفضاض سامر الحوار فإن من أخطاء نيفاشا التي تم تصحيحها الآن قد جاءت الحكومة بالمتحاورين في قاعة الصداقة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بدءاً من د.”هاشم علي سالم” الذي نزع عن نفسه ثبات الاستقلالية والحياد التي تدثر بها مؤقتاً و(ليس) عباءة المؤتمر الوطني وأصبح وزيراً للمعادن.. وجاء اختبار د.”حامد ممتاز” و”عبود جابر” وحتى وزير العدل (الموقوف) على ذمة الفحص لحين إصدار شهادة بحث تؤهله لشغل المنصب الرفيع، فإن قادة الحوار جميعهم اليوم أصبحوا مسؤولين كيف فشلوا في تحقيق مقاصده وأهدافه. من (قاد الحوار) جلس مراقباً ومعلقاً على تنفيذ آخرين إيمانهم بنيفاشا نفسها مثل إيمان العسكريين بالديمقراطية.. بعد أن عُيِّن من كان ذا حظ سعيد في الموقع المناسب
.. بدأت الاحتجاجات الواسعة.. والزعم بأن الحوار قد فشل، وقد تصدر (سيد أبو آمنة) هؤلاء المحتجين.. وذلك الشاب الذي كان من قادة المؤتمر الوطني، الشباب، وهو الذي حملته غبائن على الوالي السابق “أيلا” ليذهب معارضاً.. تبعه آخرون مِن مَن يدعون أنهم حركات مسلحة كانت معارضة.. وما هم إلا (شلة) من المنشقين يبحثون عن وظائف، وطلب الوظيفة حق لأنها تعني العيشة والرزق والشعارات غير الواقعية التي يرددها الإسلاميون (لا لدنيا قد عملنا) هي مفارقة للواقع، ولكن أن يتخيَّل البعض قد أصبحوا قادة ورموزاً لمجرد أن دخلوا قاعة الصداقة متحاورين دون إسهام حقيقي في قضايا الحوار نفسه، فإن الأوهام شيء والواقع شيء آخر.. ولن تستطيع الحكومة مكافأة كل صاحب حاجة.. وتمنح المناصب لمن يطلبها، ودون ذلك يخرج علينا أمثال “سيد أبو آمنة” يردحون في الفضاء الإسفيري عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتبدأ مزايدات مؤتمر البجة الذي يلوِّح بخيارات انقسامية كل ذلك من أجل كرسي سلطة وحفنة إرضاءات لهؤلاء القوم.