أخبار

حماس الجديدة

الآن تتخلق في رحم الفضاء السياسي الإسلامي حركة جديدة تنهض على أنقاض حركة المقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة التي تعرف اختصاراً بـ”حماس”.. وقد جرت خلال يومي (الجمعة) و(السبت) الماضيين مياه تحت جسور حركة المقاومة الإسلامية وتمخضت عن انتخابات رئيس مكتب سياسي جديد للحركة “إسماعيل هنية” خلفاً لـ”خالد مشعل”.. وقبل ذلك اتخذت الحركة الإسلامية “حماس” قراراً تاريخياً يعصف بكل أدبياتها السابقة وثوابتها التاريخية التي جعلتها تحتل أراضي كانت تزرعها الحركة الشعبية لتحرير فلسطين الجناح اليساري في المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية التي انتهت إلى حليف لدولة الكيان الصهيوني وبوقاً يردد أصداء اتفاقيات أوسلو التي سلمت الأراضي العربية لإسرائيل وغسلت أيادي العدو من الدم العربي بماء الورد.
انتخبت “حماس” “إسماعيل هنية” رئيسها السابق في قطاع غزة لرئاسة المكتب السياسي، وقد أزاح “هنية” منافسه الأصولي “موسى أبو مرزوق” وثلاثة آخرين تقدموا بترشيحاتهم في اللحظات الأخيرة.. وفي خطابه المشحون بالعاطفة الجياشة قال القائد “خالد مشعل” الذي انصرف عن المشهد إنه يقف بالقرب من “هنية”.. والحدث الأهم في مسارات الحركة الإسلامية الفلسطينية التي رغم الضيق والعنت الذي تواجهه تعتبر ملهمة لبقية الحركات الإسلامية في المنطقة، وتتأثر معظم تيارات الإسلام السياسي بخطاب “حماس”.. ومواقفها ليس الحدث في انصراف “خالد مشعل” الخطيب السياسي العميق والمفكر الأصولي الموسوعي، ولكن الحدث في الوثيقة السياسية التي طرحتها “حماس” قبل فترة قليلة.. ووجدت الرفض من شركاء المقاومة والجهاد في الجبهة الفلسطينية، وفي مقدمة هؤلاء حركة الجهاد الإسلامي، لأن “حماس” أعلنت في وثيقتها القبول بدولة فلسطينية على حدود1967م، وهو ما كانت ترفضه من قبل، وتنتقد مواقف شركاء النضال من أجل تحرير فلسطين من العروبيين في فتح والاشتراكيين الليبراليين، وذهبت حركة “حماس” خطوة أخرى بإعلانها فك الارتباط التنظيمي بحركة الإخوان المسلمين وهي الخطوة التي اتخذها الإسلاميون في السودان بزعامة “الترابي” في ستينيات القرن الماضي.. ولعبت دولة قطر دوراً مهماً في تغيير مواقف حركة “حماس” التي كانت تصنف حركة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
واتخذت معظم قيادات الحركات الإسلامية من الدوحة مقراً لها.. وقد تأثرت هذه الحركات بالرؤية المعتدلة للقطريين بشأن واجبات الصراع مع القوى المحتلة.. والتزامات هذه الحركات نحو استقرار الإقليم بالنأي عن العنف والإرهاب.
ويعد “إسماعيل هنية” سياسياً واقعياً أكثر انفتاحاً من “خالد مشعل”، وهو يحاول كسب جميع الأطراف في الملعب الفلسطيني، ولـ”هنية” علاقات مع إيران وجهود لفتح علاقات جيدة مع القاهرة وتولى من قبل رئاسة الحكومة الفلسطينية التي شكَّلها الرئيس “محمود عباس أبو مازن”، ولن يعود “إسماعيل هنية” إلى الأراضي المحررة، حيث تقتضي الإجراءات التأمينية أن يقيم رئيس الحركة في الخارج  حتى لا تبلغه أيادي إسرائيل.
ولكن السؤال الذي يطرح الآن في الساحة الفلسطينية هل التطورات التي حدثت داخل “حماس” قد تحمل الفصائل الفلسطينية لإبرام تسوية جماعية مع نظام الاحتلال؟ خاصة وأن الوثيقة الجديدة التي أجازتها الحركة تفتح أبواب التسوية.. وتجعل الحركة الإسلامية في فلسطين في موقف أكثر مرونة من ذي قبل، وفي ذات الوقت ينسجم مع الرؤية القطرية والخليجية بصفة خاصة، ويعتبر “هنية” في ذات الوقت أقرب القيادات الفلسطينية إلى القاهرة التي تعتبر فك ارتباط الحركة بجماعة الإخوان هو المفتاح المعلن للتعاون بينهما.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية