البحث عن رئيس
حينما يقتل رئيس الدولة شعبه بالجيش الوطني ويشرد الآلاف من ديارهم ويلوذ الملايين بدول الجوار لاجئين بحثاً عن لقمة العيش والأمان، وحينما تختار النخب السياسية دوراً لنفسها إما بالتطبيل والتصفيق ومسح أحذية الحاكم من أجل وظيفة وكرسي يجلس عليه الوزير وتحت أرجله مئات الضحايا يئنون من وطأة الموت والجراح.. مثل هذا الرئيس غير جدير بحكم شعبه، وبالطبع فإن مخاطبة ضميره نوع من العبث، لأن الرئيس لا يقتل شعبه قبل أن يموت ضميره.
جنوب السودان يستحق رئيساً غير “سلفا كير ميارديت”.. وحكومة أخرى تحمي هذا الشعب الذي شقي بالحرب منذ 1955م وحتى اليوم.. شعب تعذب وذاق أمرّ سنوات القهر والحرمان بعد أن نال استقلاله من الدولة الأم أو قل انفصل بحر إرادته وكامل خياره.. ولكنه اليوم يموت بالآلاف، لأن حاكماً جثم على صدره وفرض حكماً بالقهر والتسلط والتمييز السالب بين مواطن وآخر.. وفي كل يوم تكشف فواجع الجنوب عن موت الضمير في ذلك البلد المقهور من قبل الطغاة الذين يحكمونه بالسيف والنار والحديد.. ويعيد الرئيس الجنوبي “سلفا كير ميارديت” تجارب تجاوزها العصر.. ونبذتها الإنسانية وأصبحت تاريخاً مأساوياً تحفظه كتب التاريخ عن أنظمة دكتاتورية جثمت على صدور الشعوب مثل نظام “موبوتو” في الكونغو و”حسين هبري” في تشاد و”القذافي” في ليبيا و”بن علي” في تونس.. والعالم يتجه نحو حكم الديمقراطية وجنوب السودان ينحدر لأسفل سافلين بابتداع نظام العشيرة والقبلية.
العالم يتخذ من حقوق الإنسان والحكم الذاتي المدني وسيادة القانون عقيدة جديدة، و”سلفا كير ميارديت” بتواضع قدراته.. وضعف تأهيله وتخلفه عن العالم يتجه لسيطرة مجلس “الدينكا” على دولة متعددة المشارب وينتمي سكانها إلى مجموعات عديدة وقبائل شتى.. النوير والشلك حول النيل.. الباريا واللاتوكا والكاكوا والزاندي في الاستوائية.. والتبوسا والمورلي في الشرق.. لكن “سلفا كير” لا ينظر إلا لعشيرته “الدينكا”.. كان الرجل قد خرج من (واك) القبيلة ومراحات الأبقار في ملوال شات ووادنيق.. ومريال أجيت.. ولم يخرج من صلب القوات المسلحة القومية، وقد كان “سلفا كير” رقيباً في سلاح المظلات ثم نقيباً بعد اتفاقية 1972م، ثم صار قائداً للتمرد.. لم يتعلم من انتمائه للقوات المسلحة القومية إلا نظافة الحزام في خصره.. ولما غيب الموت أعظم قائد عرفه جنوب السودان د.”جون قرنق” وثب “سلفا كير” إلى السلطة دون مؤهلات ولا قدرات ولا بصيرة ولا عقل يقود ذلك الشعب الذي يستحق قيادة غير “سلفا كير”.
ولسوء تقديرات سياسية في الشمال وضعف قراءة واقع الجنوب عززت الخرطوم من دور القوميين الجنوبيين (كيداً) في أولاد “قرنق”.. وأصبح “سلفا كير” زعيماً للقوميين الجنوبيين بدلاً عن أن يصبح رئيساً لكل الجنوب. وقد فشل “سلفا كير” في قيادة دولة الجنوب بعد أن زرع الفتن، والصراعات وحصد الموت والدماء وسحل الشعب بالدبابات من أجل الحفاظ على كرسي السلطة الذي تغمره الدماء.. وتراجعت الدولة الفاشلة (تنموياً) وعمرانياً.. وسياسياً.. وبات الجنوب مريضاً بفعل القادة الفاشلين والرئيس الذي فقد كل مبررات وجوده.. وقد أثار مقطع فيديو بث على نطاق واسع اليومين الماضيين حزناً عميقاً في نفوس أهل السودان في دولة الشمال قبل الجنوب عن المصير الأسود الذي ينتظر أهلنا إذا لم يتم التخلص من الحاكم الفاسد “سلفا كير ميارديت”!