رأي

بعد ومسافة

مصطفى أبو العزائم
“جوفا”.. الغبن المنفجر!

لم يستطع أصحاب الألسنة الصمت في “جوبا” وأرادوا أن يمحو بسقط القول ما خطته أقلام الحق في الخرطوم..كأنما حديثهم ذاك تعبير عن غبنٍ قديم لم يستطيعوا احتماله بعد أن رأوا دولتهم تتهاوى، وتنسحب راياتها نحو الأرض يوماً بعد يوم، وبعد أن رأوا الملايين الجائعة تجري لاهثة تبحث عن الأمن والأمان في موطنه الذي أجبروا على الخروج منه في أبشع عملية تزوير للرغبة الشعبية، تزوير تم تحت الوعيد والتهديد ليتمكن السفاحون من الإمساك بكل خيوط الحكم، وما كانوا يعلمون أنهم دمي استخدمها الذين أحسنوا استغلالهم حتى تخلو أرض (جنوب السودان) من الناس، وتصبح أرضاً محروقة، لا تزهر فيها إلا أطماع الذين أرادوا لها ذلك، وحتى يتسنى لهم فرض مشروعهم الغبي الرامي إلى إحداث تغيير ديموغرافي يغير التركيبة السكانية  في جمهورية السودان نتيجة اللجوء المنظم نحو الشمال من قبل الذين يواجهون الموت.. ولكن العيون مفتوحة والقلوب أيضاً، وظن الواهمون الذين يمسكون مقاليد الحكم هناك في (جوبا) أن العقلية التآمرية تغني عن التجربة والعلم.. لذلك رسبوا في امتحان السلطة. القيادة في الخرطوم.. تعاملت بحنكة وحكمة وصبر عجيب عملت من خلاله على عدم إظهار نفاد صبرها حتى أن بعض الذين أفاقوا من سكرة الحكم وأوهام السلطة في دولة جنوب السودان تجرأوا وأجروا اتصالات سرية مع القيادة في الخرطوم، يطلبون عودة الوحدة من جديدة.. وهذا أمر قد يحدث، ولكنه لن يتم بين ليلة وضحاها.. ولن يكون بقرار حكومي، ونحن نرى أن بعضهم هناك أراد أن يرمي باللوم على (الخرطوم) وصحافتها وإعلامها في عملية تهدف إلى تغطية نتائج الفشل والحماقات والعجز، وكان خيراً لهم أن يتحلوا بفضيلة الصمت وأن يعملوا على الإصلاح ما استطاعوا.
السكرتير الصحفي لرئيس جمهورية جنوب السودان واسمه – للعلم – “أتينق ديك” عقد قبل أيام مؤتمراً صحفياً تابعنا تفاصيله من داخل القصر الرئاسي في (جوبا) كال فيه الاتهامات للصحافة والإعلام في السودان، وقال: إن الصحفيين السودانيين لا يتمتعون بالكفاءة المهنية – تخيَّل! – أما السبب فهو أن صحافة الخرطوم وإعلامها نشر أو أعاد نشر ما بثته إحدى الإذاعات المحلية في دولة جنوب السودان مؤخراً حول نية رئيس الدولة الفريق “سلفاكير ميارديت” التنحي عن الحكم ودعوته لاجتماع ضم قيادات جنوب سودانية مثلت الحركة والجيش لبحث أمر خلافته، وقد نشرت صحف ووكالات ذات الأنباء، ولكن يبدو أن أهل الحكم هناك أرادوا لصحافة وإعلام الخرطوم أن يكون  (الحيطة القصيرة) لينطبق عليهم المثل الشعبي (غلبها راجلها عايزة تأدب حماتها).
قطعاً لن يغلق أهل الإعلام في السودان أفواههم، ولن يضع الصحفيون أقلامهم، لينطبق على المدعو “أتينق ويك” المثل العربي القديم (على نفسها جنت براقش). وقد كانت (براقش) كلبة تعيش في قرية صغيرة، تحرسها ومساكن أهلها ،وتقوم بالنباح كلما ظهر عدو أو غريب.. وحدث ذات يوم أن هاجم جيش كبير تلك القرية، وقامت (براقش) بأداء دورها على أكمل وجه، وخرج أهل القرية للدفاع عن قريتهم، لكنهم صعقوا عندما رأوا الجيش الضخم الذي لا قبل لهم بمواجهته، فاختاروا الاختباء في كهوف ومغارات قريبة.. ولم يعثر عليهم أي من أفراد جيش العدو، فآثروا الانسحاب، لكن “براقش” أرادت أن تعبِّر عن فرحتها نباحاً، ولم تصمت رغم محاولات صاحبها إسكاتها، فهاجم العدو المغارة، وقتل الكثيرين، وكانت الكلبة من ضمن الضحايا، وكانت سبباً في هلاكها وهلاك أهل قريتها ، وأصبحت مثلاً لمن يجلب الهلاك والشؤم لأهله.
أتوقع أن تفتح الصحافة نيرانها على السكرتير الصحفي لرئيس دولة جنوب السودان وعلى حكومته التي ينطق باسمها تلك الحكومة المأزومة والمهزومة ، التي تحاول الهروب من أزماتها باتهامات جزافية ترميها، في وجوه الذين صبروا عليها،  وعلى أدائها سنين عدداً، والتي أصبحت تستخدم عبارة أعداء السلام في مواجهة الإعلام السوداني ،وهي تقصد حكومة السودان، ونرى في الأفق القريب أن (جوبا) ستستمر في دعم قادة الحركات المسلحة وفي احتفائها بهم لينوبوا عنها في إشعال نار الفتنة والحرب، خاصة بعد الكشف عن دعوة الرئيس “سلفاكير” لقادة الحركة الشعبية -شمال إلى (جوبا) للتفاكر.. وقد قام سكرتير الرئيس الصحفي “أتنيق ويك” بضربة البداية حتى يتم إعلان الحرب، وهذا يجعلنا نستعير بعض أبيات القصيدة الأشهر لآخر ولاة الأمويين على خراسان، “نصر بن سيار” ، الذي كتب لآخر خلفاء بني أمية “مروان بن محمد” محذَّراً من ثورة “أبي مسلم الخرساني”، والتي قال فيها:
أرى تحت الرماد وميض نار
ويوشك أن يكون لهام ضرام
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية