الديوان

ثقافة العمل اليدوي.. صار صوتي قوياً لأن حذائي كان متماسكاً

كل بما سخر له، فالتشكيلي ليس بمقدوره غير أن يمسك بفرشاته ويضرب على خامته (قماش، خشب، حائط،)، أي شيء هو (خامة) للتشكيلي الحاذق، فتسيل الفكرة من بين الألوان وتخرج للعالمين، ينظرون ويقولون يا الله!!
ولأن الأفكار والمقترحات المبثوثة من الألوان ليست كتلك (الجامدة) التي يطرحها المخططون في أوراق عمل وورش وسمنارات وندوات وحلقات نقاش تذهب توصياتها في الغالب (هدراً) وأسيرة لأضابير وخزانات ولجان وبيروقراطية الوزارات والمؤسسات، فإن لوحة ( الإسكافي) لـ” بدر الدين” تقترح مشروعاً كاملاً لحل عبث البطالة وهرجها بالعودة إلى العمل اليدوي الحرفي المتقن والدقيق.
(1)
 بعد أن اختفى من ثقافتنا زمناً طويلاً في أعقاب سيادة السلوك الاستهلاكي والنهم لكل ما هو مصنوع في الخارج، فانسحب الحرفيون الحاذقون من الأسواق بعد أن أمطرت سموات السياسة والتخطيط الإستراتيجي للتنمية على رؤوسنا قبعات تايوانية، وقمصان هندية، وبنطلونات وأحذية صينية وبـ( تراب الفلوس)، وأمسكت عن دعم الصناعة الوطنية والحرفيين التقليديين، فما عليك إلا أن تنظر لثقب صغير في مقدمة حذائك بعد شرائه بأسبوع فتقذفه بعيداً وتضع آخر، بينما ماشيتنا تحك جلودها شوقاً لـ(أرجلنا) الكبيرة والعريضة التي أعيت الصينيين.
(2)  
وهذا الإسكافي إذ يميل برقبته إلى الجهة اليسار مغمضاً عينيه في ذات الاتجاه، موثقاً رأسه بعمامة، وواضعاً (أحذية) متفاوتة الصنعة والمقاسات، كأنما يردد مع القاص (يحيى فضل الله): كان صوتي قوياً لأن حذائي كان متماسكاً، وهكذا يتضافر القاص مع التشكيلي وتداخل اللغة مع اللون لإنتاج مشروع إعادة العمل اليدوي والصناعة إلى الواجهة بما لا تستطيع فعله تلك الخطط الخمسية والعشرية التي أخرجتنا من (دائرة التنمية) ورمت بنا في زمرة المستهلكين العاطلين عن الفعل والانجاز، فارسم يا بدر الدين وأكتب يا (يحيى) ما يجعل مثل هذا (الشيخ) يفتح عينيه الشمال فيستقيم عنقه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية