رأي

بعد ومسافة

  دولة جنوب السودان بين التفكك والضياع !
             مصطفى أبوالعزائم                       
   لا يشك مراقب حصيف للشأن السياسي العام في دولة جنوب السودان في أن هذه الدولة الوليدة آخذة في الزوال بسبب سوء الإدارة والحُكم وغياب النُظُم الإدارية المسيّرة لدولاب العمل اليومي، وبسبب الغبن السياسي والهيمنة القبلية التي أطاحت بكل شعارات المساواة التي رفعتها الحركة الشعبية منذ بدايات تأسيسها وحتى تاريخ إعلان دولة جنوب السودان بعد انفصالها عن السودان، وذلك غير التخلف وغياب الوعي الشعبي العام المقصود من قبل الحاكمين، وهو ما يهدد هذه الدولة بالزوال، لتكون أقصر دول العالم عمراً .
    ربما كان داعمو خط الانفصال في الدول الغربية هم الأكبر صدمة دون غيرهم من نتائج الاستفتاء الذي أدى إلى الانفصال بدلاً من الوحدة مع المكون الشمالي لجمهورية السودان في العام 2010م، رغم أن هذا لا يجدُ تفسيراً سوى (التآمر) لدى العقلاء والحكماء في شقي السودان (القديم)، حيث كان الجنوبيون يحكمون 28 في المائة من السودان بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة عام 2005م و72  في المائة من جنوب السودان، إلى جانب تأهيل قيادات وأبناء جنوب السودان وتدريبهم على إدارة شؤون الدولة في كل مؤسسات البلاد السياسية والتنفيذية والقضائية والتشريعية والأمنية وغيرها.
     الغربيون وأصحاب الأجندات الخاصة والصهيونية العالمية دفعت بقيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان – رغم المكاسب التي تحققت بعد السلام – دفعت بها دفاعاً نحو الانفصال والتأثير على القواعد لاختيار الانفصال، بعد أن أودت بصاحب الطرح الوحدوي داخل الحركة الشعبية الدكتور “جون قرنق دي مابيور”، كما أن بعض أصحاب النعرات العنصرية ارتفعت أصواتهم في الشمال بمعاداة أبناء الجنوب ومكايدتهم وزرع شعور في دواخلهم بأنهم من غير المرغوب في وجودهم بالشمال، وغير مرّحبٍ بهم أيضاً، بينما كان كثيرٌ من مناصري الوحدة بين شطري الوطن يرون بعين المصلحة الثروات الطبيعية والموارد الهائلة التي يتمتع بها جنوب السودان ولا يريدون لها أن تذهب للغير .
   كثير من الدوائر الغربية كانت تفكر في ابتلاع الجنوب ومن ثم الزحف نحو الشمال وسط تساؤلات لم يجرؤ أحد على الإفصاح عنها أقلها لماذا يهنأ أهل السودان بهذه المساحات الهائلة من الأراضي المنبسط الغنية بالموارد والمصالحة للزراعة والتي تساوي ثلث مساحة أوروبا ؟ .. هذا إلى جانب الأطماع الإسرائيلية في السيطرة على منابع النيل، والحد من انتشار وتوسع القيم والأفكار الداعمة لقيام وإنشاء الدول الإسلامية، مثلما حدث منذ أن أعلن الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري” – رحمه الله – تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983م .
    بناءً على كل ذلك لابد أن تكون خططٌ قد وضعت، وترتيباتٌ قد تمت لانفصال الجنوب، ثم تكون الخطوة الواسعة لتفريغ الدولة الوليدة  – نتيجة حمل كاذب بالأحلام السياسية – من أهلها وسكانها باصطناع صراع داخلي يقود لليأس من الإصلاح مثلما هو حادث الآن فيؤدي إلى هجرة الملايين إلى الشق الثاني من الوطن، والعمل على اصطناع فتحة أمل في العقلية السياسية والحاكمة في السودان بأن الوحدة بين الشمال والجنوب ممكنة، فيتعامل القادة والسياسيون بأريحية تساوي بين مواطن دولة جنوب السودان وبين مواطن جمهورية السودان في الحقوق والواجبات، في وقت ينظر فيه أبناء الجنوب بأمل كبير في حدوث تغييرات ديموغرافية وسكانية تجعل من العنصر الزنجي والقبائل النيلية الجنوبية العنصر الغالب في شمال السودان بمرور الوقت لتتم السيطرة على كل الشمال بعد أن يكون الجنوب قد أخلي تماماً لأصحاب المصلحة الذين يريدونه أرضاً خالية من السكان .
    الآن بدأت عملية إفراغ الجنوب، مع العمل السياسي والدبلوماسي والمخابراتي الذكي لتحييد دول الجوار، وإقامة تحالفات إقليمية ترفع شعار الحفاظ على الأمن الإقليمي والقاري، في حين أنها تعمل على ترسيخ واقع جديد يقبل بتغييرات في دول المنطقة وإضعاف دولة السودان وشغلها بالمواجهات العسكرية والتدفقات السكانية من دولة جنوب السودان ودول الجوار ودول إفريقية أخرى تعاني ما تعاني من ويلات الحروب والضعف السياسي وعدم الاستقرار الأمني، ولن تكون الدول الغربية بعيدة عن هذا الذي يجري وستتبع سياسة النفس الطويل لتحقيق مقاصدها ولن يتسنى لها أن تحقق برنامجها كاملاً إلا بالقضاء على نظام الحكم القائم في السودان لا عن طريق الانقلابات العسكرية ولا عن طريق الثورات والانتفاضات الشعبية بل عن طريق الضعضعة والإضعاف من الداخل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية