الرئيس القادم
بعد السابع من مايو القادم يجلس على كرسي العرش الفرنسي رئيس جديد، وصفه الكاتب اللبناني وثيق السلطة بالغرب “سمير عطا الله” بأنه خارج السياسة والسياسيين، وهو تعبير يضع المرشح بقوة لحكم دولة التنوع العرقي والتعدد الثقافي والتسامح الإنساني فرنسا، “إيمانويل ماكرون”، الذي حصد أغلب رغبات الفرنسيين الأسبوع الماضي، يضعه على كرسي الحكم وهو دون الأربعين عاماً وفوق الثلاثين بقليل.. لكنه حصد أغلب أصوات الفرنسيين في مفاجأة للعالم أجمع.. شاب وسيم الطلعة ناعم البشرة يتحدث بثقة عن المستقبل لدولة تطمح في قيادة أوروبا التي شاخت وهرمت أحزابها اليمينية وغرق اليسار في بحر من ظلمات الحاضر، ليقفز جيل جديد لحكم دولة تمثل وجهاً مشرقاً للحضارة الغربية بأبعادها الإنسانية وقيمها الديمقراطية في احترام حق الإنسان في الاختلاف والتطلع وحتى التعبير عن النوع والمعتقد.
و”إيمانويل ماكرون” الذي شغل العالم الأسبوع الماضي والصحافة تتقصى عن تاريخه وسيرة أسرته.. وعلى طريقة صحيفة الـ(واشنطن بوست) التي بعثت بأربعة محررين، ثلاث نساء ورجل واحد إلى دولة كينيا للبحث عن جذور رئيس الولايات المتحدة القادم حينذاك لحكم أكبر دولة في العالم من أصول زنجية.. والصحافيون الأربعة كتبوا كل شيء عن كينيا، الشعب والتاريخ والحضارة وتمازج الإثنيات العرقية، وكل الأمريكان اهتموا باستقصاء الصحافة عن سيرة الرئيس المنصرف عن الحكم “أوباما”.. ولأن الغرب له منهجه وطرق بحثه وحريته التي تسمح بالتنقيب عن سيرة الرجل العام والبحث عن نقاط ضعفه قبل مصادر قوته.. الشاب الفرنسي الوسيم “إيمانويل” أثار دهشة العالم قبل الفرنسيين وهو يحصل على ثقة المواطنين البيض والسود معاً والملونين، أي التمازج الجميل بين شعوب الأرض في متحف الأمم بلاد الشعر والموسيقى والمسرح والفنون النبيلة.. وحينما تختار الشعوب الحرة حكامها من فئة الشباب فإنها تختار المشي على دروب التقدم والنهضة.. وحينما يصبح الرؤساء دون سن الأربعين فإن مجلس الوزراء تختفي فيه الوجوه التي وضع الزمن والعمر بصمته على تجاعيدها الغائرة، مثلما هو حال بلادنا العربية والإسلامية التي يحكمها رؤساء من فراش المرض محمولين على آلة ليس حدباء.. عندما يمشي أحدهم في الأرض تخفق قلوب الذين من حوله خوفاً من سقوطه عليها كما تساقط الحكام العرب وتعثرت خطاهم في قمة الأردن الأخيرة.. والأمم الناهضة التي تقبل على المستقبل تختار حيوية الشباب ونبض الحياة.
والدول مثل الأفراد تشيخ بحكامها.. وتمرض.. وتذبل وتصاب بالإعياء والإجهاد.. وتصبح الشعوب كسولة يائسة من الحياة.. والغرب الذي يصفه البعض بكل مذمة وينعته بالفسوق الأخلاقي، وتلك نعوت صحيحة، لكنه من جهة أخرى غرب متقدم حضارياً وسلوكياً وإنسانياً.. وتكنولوجياً وقيمياً على الشرق.. فالولايات المتحدة التي اختارت رئيسها من السوق ودفعت بـ”ترامب” للسلطة لتجريب نجاحات رجال الأعمال في تطوير وتحسين حياة المواطنين الأمريكيين تحصد بعد سنوات خياراتها، وإذا شعرت بخطأ الاختيار تعيد النظر في اختياراتها ولا تجد حرجاً في الاعتذار عن ما اقترفت صناديق اقتراعها.. وفرنسا التي جاءت بهذا الشاب الذي يفيض حيوية ورشاقة، هي فرنسا التي أبعدت من قيادة هجوم منتخبها الجزائري الأصل “كريم بنزيمة” وجاءت بالكاميروني الأصل “أمبابي” لأن الأول فوق الثلاثين من العمر والثاني دون العشرين.. وهكذا الشعوب تخطط للمستقبل، ونحن نرفض حديث د.”أمين حسن عمر” الداعي لاختيار رئيس للسودان غير “عمر البشير”، والمعارضة تقدم الإمام “الصادق المهدي” الذي وصل لحكم البلاد عام 1966م، لكنه يطمح في رئاسة البلاد عام 2020م.. فرنسا تنهض وتتقدم ونحن نتقهقر و(نتكرفس).