تحذير الخرطوم لجوبا ورفع المفاوضات
فاطمة مبارك
لم يكن مستغرباً أن يتهم جهاز الأمن والمخابرات الوطني حكومة السودان حكومة الجنوب بالاستمرار في دعم وإيواء الحركات المتمردة، فهذه لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة حسب واقع العلاقة بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان التي لم تغادر محطة التوتر، على الرغم من أن الجنوب يعيش أوضاعاً سيئة وحالة من الانفلات الأمني ليس لها مثيل، وبجانب قناعة حكومة الجنوب ممثلة في رئاسة الجمهورية بضرورة تحسين العلاقة مع الجارة السودان وتنظيف الحدود من أية توترات، والدليل على ذلك أن النائب الأول لرئيس جمهورية جنوب السودان “تعبان دينق” سبق أن تعهد في زيارته الأخيرة للخرطوم بعد تقلده منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية عقب الأحداث التي غادر بموجبها دكتور “رياك مشار” النائب الأول السابق المنصب والملابسات التي صاحبت تحفظ بعض الدول من الاعتراف به، تعهد وفق اتفاق مع رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” على طرد الحركات المسلحة المعارضة للخرطوم خلال (21) يوماً، واعتبر حينها “تعبان” الحركة الشعبية شمال السودان، وحركات دارفور سبباً للأزمة بين السودان وجنوب السودان. ووقتئذ ظن بعض المتابعين للملف أن تعهدات “تعبان” ستجد طريقها إلى التنفيذ على خلفية العلاقة التي تربطه بالحركة الشعبية شمال وإمكانية إقناعها بفك الارتباط، الأمر الثاني “تعبان” كان قد تعهد بوصفه المسؤول الثاني في الدولة، لكن ظل هذا الملف على حاله، وخلال هذه الفترة جرت مياه كثيرة تحت الجسر إلى أن جددت حكومة السودان بالأمس، شكواها من استمرار دعم حكومة الجنوب للمتمردين، وقالت: إن الاجتماعات التي تمت بين قادة قطاع الشمال ورئيس حكومة الجنوب ونائبه الأول كانت بغرض إطالة أمد الحرب في السودان، أما حكومة الجنوب فقد قالت إنها قامت باستدعاء قادة قطاع الشمال إلى جوبا بهدف التوسط بين الأطراف المتنازعة في قطاع الشمال لإنهاء الخلاف بين “ياسر عرمان” و”مالك عقار” من جهة و”عبد العزيز الحلو” من جهة أخرى، وربما يكون قد تم مناقشة هذا القضية بجانب قضايا أخرى، لكن لم ترشح معلومات للإعلام عن ماذا تم بخصوص خلاف الرفقاء في قطاع الشمال، لكن الذي تناوله الإعلام هو خبر انتقال “ياسر عرمان” و”مالك عقار” من اجتماعات جوبا ودخولهما في اجتماعات بأديس أبابا جمعتهما ، مرة ، برئيس الآلية “ثابو أمبيكي”،ومرة ثانية ، بمسؤولين أمريكان من الخارجية الأمريكية، وطلب وفد قطاع الشمال من رئيس الآلية رفع المفاوضات إلى شهر يوليو، إضافة إلى مطالبته بعدم رفع العقوبات عن السودان ،وتمديدها لستة أشهر أخرى، وإذا قرأنا هذا الطلب في إطار ما يربط بين حكومة الجنوب وقطاع الشمال من علاقة، فيصبح ليس مستبعداً أن يكونا قد نقاشا موضوع رفع العقوبات عن حكومة السودان، وما يحققه لها من انفراج سياسي واقتصادي، ويبدو أن حكومة السودان تراقب هذا المشهد بدقة، فتأجيل المفاوضات يمكن أن يؤجل تقديم التسهيلات لوصول المساعدات لمناطق المتمردين، خاصة أن قطاع الشمال يتحدث عن أنه يريد طرح رؤية لأمريكا في هذا الشأن، كما يؤجل إحلال السلام الشامل في السودان الذي ينتظر ملف المفاوضات، وشهر يوليو محدد لرفع العقوبات عن السودان.
على صعيد حكومة الجنوب إذا تم اتفاق بين حكومة الجنوب وقطاع الشمال على دعم، فإن ذلك سيدفع حكومة السودان إلى عمل قد تعتبره أمريكا ضد تحقيق السلام في دولة الجنوب، وحكومة السودان كذلك منتبهة لهذا الأمر، لذلك عندما شعرت بخطورة ما يتم في هذه الاجتماعات بادرت بخطوة استباقية حذَّرت فيها حكومة الجنوب من التدخل في شؤون السودان، حتى تثبت أنها ماضية وملتزمة بتحقيق السلام في الجنوب، وظلت طيلة الفترة الماضية ملتزمة بهذا الشرط من خلال تقديم المساعدات الإنسانية واستقبال اللاجئين الجنوبيين، وقبل ذلك كفت عن استقبال المعارضين ،وأبرزهم “مشار” الذي لم تستقبله الخرطوم عندما جاءها قادماً من جنوب أفريقيا، فما يتم من تنسيق وتعاون بين قطاع الشمال وحكومة الجنوب لن يكون بعيداً من الموعد المضروب لرفع العقوبات عن السودان.