أخبار

الإجراءات العقيمة!!

النيابة العامة تصدر هذه الأيام إعلانات تطالب المتمردين بتسليم أنفسهم طوعاً للمثول أمام النيابة والتحري معهم في بلاغات قتل وتحريض.. ويقول وكيل النيابة في الإعلان المنشور في الصحف بملايين الجنيهات إن ما نقل إلى السيد رئيس النيابة العامة يقنعه بأن المتهم قد أخفى نفسه للحيلولة دون القبض عليه، وعليه تسليم نفسه خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين وإلا سيجد السيد رئيس النيابة نفسه مضطراً لاتخاذ إجراءات قانونية أخرى، ثم يطلب السيد “ياسر بشير بخاري” من الجمهور المساعدة في القبض على المتهم.
تلك الإعلانات خاصة بشخصين متمردين على السلطة من حملة السلاح المشهورين الأول يدعى “التجاني محمد حامد” ولقبه (كُدي) والثاني يدعى “محمد حسين آدم علي” ولقبه (محيميد) وهما المتهمان الرئيسان في أحداث القتل التي وقعت في بادية كردفان الشهر الجاري المعروفة بأحداث النزاع بين حمر والكبابيش.. والمتمردان المذكوران في الإعلانات التي تنشر هذه الأيام في صحف الخرطوم خرجا عن سلطة الدولة قبل سنوات واحترفا النهب والسلب وتشكيل تنظيمات مسلحة.. كانا يقطعان الطرق وينشطان في تحصيل الرسوم من الأهالي وهما من تجار المخدرات والسلاح المعروفين كما قال بذلك الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” في حديث خاص (المجهر) الأسبوع قبل الماضي.. والسلطات الحكومية تعلم نشاط هؤلاء المتمردين الذين يمتطون سيارات اللاندكروز وعليها المدافع الرشاشة وعصابات ملثمة بالكدمول التشادي الدارفوري على ظهور تلك السيارات، وكانت العصابتان على وفاق وتعاون حتى نشب خلاف حول سرقة إبل.. فاختار كل من أفراد العصابتين الوقوف مع قبيلته وعشيرته بزعم الدفاع عنها والمنافحة عن شرفها.. فارتكبت المجموعتان الفظائع البشعة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المهدرة في هذا البلد الموبوء بالنزاعات والسلطات الحكومية ظلت (نائمة) حيال تلك العصابات ما دامت لا تهدد أمن الحكومة مباشرة.. لكن اليوم تصدر الإعلانات في الصحف وتطلب الحكومة من هذين المتمردين تسليم نفسيهما.. هل يصدق أحد أن “كُدي” و”محيميد” عند إطلاعهما على إعلانات النيابة العامة في الصحف سينتابهما الخوف والذعر ويصحو ضميراهما من غفوتهما.. ويسلمان نفسيهما طوعاً واختياراً إلى النيابة للتحري معهما.. هل هذا ممكن ومعقول.. ثم يهدد السيد رئيس النيابة بأنه سيجد نفسه مضطراً لاتخاذ إجراءات أخرى.. من غير أن يضطر السيد رئيس النيابة فإن هذين المتمردين لا يخشيان الدولة وخرجا على قوانينها.. فإن التهديد بالإجراءات لن يثنيهما عن فعل الشر.. والصحف التي تنشر هذه الإعلانات لن تصل لجبرة الشيخ غرب أم درمان دعك من الوصول إلى مناطق التمرد التي يحتمي بها هذان المجرمان.. وأخيراً فإن الحكومة تطالب المواطنين بالمساعدة في القبض على المتمردين.. إذا كان المواطن يحمل عصاه ويركب دابة (جملاً أو حماراً) فكيف له القبض على متمرد يقود سيارة لاندكروزر عليها مدفع رشاش؟؟
للعدالة  تقاليدها في اتخاذ الإجراءات السليمة.. ومن بينها بطبيعة الحال مثل هذه الإعلانات التي تهدر المال العام.. وهي إجراءات لا تغير من واقع الحال ولو كانت الدولة قادرة على القبض على أمثال هؤلاء لما أهدرت الدماء كما حدث في بادية حمر والكبابيش.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية