عندما تغني "مكارم بشير" في تنشيطي الوطني يقترب الحزب من هموم ومشاغل الناس
(المجهر) في مدينتين.. “الفولة” و”كسلا”
“نافع” يغلق باب عودة القدامى في الحكومة الجديدة
“يوسف عبد المنان
حديث (السبت)
حسبو” هذا موقفنا من التطرف و(داعش) والإرهاب
هل أصبح المؤتمر الوطني حزباً قريباً من نبض الناس العاديين؟؟ أم يجلس في برج عالٍ ويخاطبهم عن مشكلات الأقليات في آسيا الوسطى.. وأشواق الإسلاميين في قيادة العالم وفق رؤيتهم الإسلامية؟؟
ولماذا أقلع الوطني عن شعارات إراقة الدماء واستبدالها بالإنتاج والسلام والتسامح؟؟ وما هي دلالات أن تغني “مكارم بشير” مطربة الشباب في مدينة “الفولة” التي أحالها المؤتمر التنشيطي لحزب المؤتمر لساحة فرح شعبي.. امتزجت فيه رغبات وانشغالات الشباب.. بطموحات الساسة في الحكم والسلطة.. هي بعض من مشاهدات لوقائع المؤتمرات التنشيطية للحزب الحاكم في الولايات قبيل انعقاد المؤتمر العام في نهاية الشهر الجاري.. وبدأت مدينة “الفولة” عاصمة غرب كردفان الولاية المضطربة في الأعوام الماضية والمستقرة حالياً أكثر هدوءاً من ذي قبل.. وقد أطلق البروفيسور “أبو القاسم قور حامد” يوماً على ولايته صفة (رجل الولايات المريض) فثارت ثائرة السلطة التي ترفض دوماً الاعتراف بالواقع وتهيم في تخيلاتها الخاصة.. و”الفولة” التي اختيرت كعاصمة للولاية التي خرجت من رحم كردفان الكبيرة وسط جدل وشد وجذب ما بين السياسيين الذين يقررون دوماً نيابة عن الشعب، ولكن باسمه.. بعضهم مع اختيار “النهود” كعاصمة ولهم في ذلك حيثيات و”بابنوسة” وبينهما كان هناك دعاة الحل الوسط الجغرافي باختيار (الأضية)، لكن واقعية د.”علي الحاج” وتأثير قيادات مثل “حسن صباحي”.. ود.”عيسى بشري” و”الدرديري محمد أحمد” ذهبت باختيار “الفولة” عاصمة لغرب كردفان لتنهض محطة القطارات الصغيرة والمركز الحضري الصغير من قرية إلى مدينة كبيرة أخذت في النمو والتقدم المتسارع.. حتى شبهت بأنها المدينة التي في ملامح حداثتها هي الخرطوم الجديدة.. ولكن التغييرات التي طالت غرب كردفان دمجاً وتذويباً تأثرت بها الولاية والمدينة المتمردة دائماً على السلطان.. و”الفولة” انطلقت منها شرارة معارضة تذويب الولاية وكانت صداعاً نصفياً في رأس الحكومة.. رغم أن ثقل السكان إما جنوباً في “المجلد” أو شمالاً في “النهود”.. ولكن “الفولة” الحميدة كانت هي المدينة المتمردة التي خرجت مناهضة للوالي “حسن رزق”.. وطردت “الجيلي أحمد الشريف” ورفضت تعيين “سلمان الصافي” الذي كلف بتصفية الولاية من المركز.. ولكنها حملت على أكتافها الفريق شرطة “الطيب عبد الرحمن مختار” الذي ناهض قرار التذويب من قبل فخسر موقعه كوالٍ وكسب قاعدة شعبية عريضة لم تنفعه في مقبل الأيام.. وبعد سنوات من التغييرات المتسارعة عاد الهدوء إلى “الفولة” في العامين الأخيرين بعد أن جاء الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” وحقق نجاحاً في ملفات ثلاثة، الأول تجفيف التمرد باستقطاب قادته وتسوية النزاعات التي أدت لقيام ثلاثة عشر من قادة الدفاع الشعبي السابقين ورموز منطقتي المسيرية وحمر بالتمرد على السلطة وحمل السلاح، إما من خلال مليشيات مسلحة ذات أجندة محلية أو بالانضمام إلى حركات دارفور والحركة الشعبية.. والقاسم المشترك بين القيادات التي تمردت من غرب كردفان الاحتجاج على عائدات ريع البترول وسوء توظيف الأموال وبعد سلسلة من المفاوضات والاتصالات المباشرة بين الحكومة التي يقودها الوالي “بركة” وهؤلاء المتمردون تم إعادة جميع القيادات وإعلان غرب كردفان خالية من التمرد.. وفي الملف الثاني الأكثر تعقيداً هو إعادة هيكلة الإدارة الأهلية بإلغاء (الإمارات) السابقة بقناعة المواطنين واختيار ثلاث نظارات لقبيلة المسيرية هي نظارة المسيرية الزرق ومقرها في “لقاوة” واختير لها الناظر “الصادق الحريكة عز الدين حميدة”.. ونظارة المسيرية الفلايتة ومقرها “الفولة” واختير لها الناظر “عبد المنعم موسى الشوين” ونظارة العجابرة التي مقرها “المجلد” واختير لها الناظر “مختار بابو نمر”.. وبذلك تم تقليص عدد الأمراء والعمد والشيوخ.. وعادت للإدارة الأهلية هيبتها بعد أن قسمت في السابق لكيانات ضعيفة جداً لأسباب سياسية في ذلك الوقت لإضعاف نفوذ الأحزاب التقليدية.. وقد تركت الحكومة لتقديراتها أيضاً نظارة حمر في شمال الولاية موحدة.. وكذلك إمارة النوبة ودينكا نقوك.. والملف الثالث الذي حققت فيه حكومة الأمير “بركة” نجاحاً كبيراً وقف الصراعات القبلية وتحقيق المصالحات القبلية وتجفيف الدماء التي كانت تهدد بإغراق السودان في حمم بركانية قد تعصف بتماسكه الاجتماعي.. وحينما عقد المؤتمر الوطني يوم (الثلاثاء) الماضي مؤتمره التنشيطي كانت أحاديث قادته عن تطلعات المواطنين لانسياب التيار الكهربائي القومي في جوف مدن “أبو زبد” و”الفولة” و”السنوط” و”كدام”.. بعد انسياب التيار الكهربائي القومي القادم من مروي جنوباً حتى “الدلنج”.. وشرقاً الحمادي والدبيبات في اختراق حقيقي لظلام جنوب كردفان الذي طال.. وواقعية قيادة المؤتمر الوطني جعلت من انعقاد مؤتمرات الحزب التنشيطية ليست ساحة لنشر الشعارات والأحلام القديمة وأشواق الإسلاميين في التغيير.. ولكن أصبحت المؤتمرات مناسبات أفراح وتغيير اجتماعي وثقافي.. وقد استقبلت مدينة “الفولة” نهار (الثلاثاء) قادة الحزب المركزيين وتم الإصغاء لخطاب واقعي لامس قضايا الناس، وكان المهندس “إبراهيم محمود حامد” نائب رئيس الحزب يمزج ما بين الدعوة لزيادة الإنتاج وتطوير الزراعة.. وتقديم رؤية متماسكة حول السلام الذي تسعى الحكومة لتحقيقه والانفتاح السياسي على الدول الغربية والمرتجى من دخول الاستثمارات الخليجية والسعودية بصفة خاصة.. وفي المساء غسلت “الفولة” أعينها من الغبار العالق و(الهبوب) التي أثارت الأتربة العالقة.. لتصغي النساء والشباب والرجال والأطفال إلى المطربة “مكارم بشير” وهي تغني:
هب الحبيب حجاني وحياني بي لطفه
قال لي كنت عفيف وأنا حبي بتعرفه
ما قصدت أهوى براك شوفوه يا ظرفو
تعال بأخلاق الملاكية
ودنيا الحب أسلاكها شايكة
وأسلاك السياسة التي جعلت ممثل أنصار السنة المحمدية يتحدث في الجلسة الخطابية الأولى لحزب المؤتمر الوطني ويقول نيابة عن الأحزاب، إن القوى السياسية التي تحالفت مع المؤتمر الوطني حريصة على تحالفاتها.. وحريصة على أن يبقى الوطن موحداً كبيراً.. قائداً.. وعن جماعة أنصار السنة قال “ياسر محمد الحسن” إنهم ليسوا طلاب سلطة وأضاف بصوت مرتفع، نحن البدونا ليها بنشيلها لا نطمع في مقاعد كثيرة ولا سلطة.. ولم ينسَ الدكتور “إبراهيم آدم” رئيس حزب الأمة ووزير الدولة بالرعاية الاجتماعية أن يبعث لفرقائه من حزب الأمة بقيادة الإمام “الصادق” برسالة من “الفولة” التي تمثل واحدة من قلاع حزب الأمة حتى عهد قريب، ويقول “إبراهيم آدم” نحن اليوم قد تحررنا من قداسة وعبادة الأشخاص ولن نعبد إلا الواحد الأحد الفرد الصمد.. وأثنى “إبراهيم آدم” على الحكم الاتحادي الذي حل نصف مشاكل البلاد. وحينما تحدث المهندس “إبراهيم شمر” نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بغرب كردفان بعث “شمر” برسالة إلى المهندس “إبراهيم محمود” الذي استقبل بريده تلك الرسالة التي تقول: يجب على الحزب أن لا يتنازل في الانتخابات القادمة عن أية دائرة للحلفاء والشركاء. وزاد “إبراهيم شمر” نريد تنافساً شريفاً وحقيقياً مع القوى السياسية وجاهزون للمنازلة، لكن تفريغ الدوائر يضعف الانتخابات وينبغي للأحزاب نفسها أن تسعى وتنافسنا لمصلحة الديمقراطية والشورى والحرية في بلادنا.. وقد صدرت توصيات حزب المؤتمر الوطني من “الفولة” تعزز ما تحقق من نجاحات خاصة في ملف الأمن والتفاوض مع الحركات المسلحة وإصلاح الإدارة الأهلية باعتباره جزءاً هاماً من إصلاح الدولة الذي دعت إليه وثيقة الوثبة التي أعلنها الرئيس قبل سنوات من الآن.
{ إغلاق باب عودة القدامى
في آخر مؤتمرات الحزب الحاكم قبل انعقاد جلسات شورى الوطني يومي (الخميس) و(الجمعة) القادمين تمهيداً لعقد جلسات المؤتمر العام وفي مناخ إرهاصات تشكيل الحكومة الجديدة، اختار الدكتور “نافع علي نافع” عضو المكتب القيادي وأحد أبرز قيادات الحزب التي غادرت الجهازين التنفيذي والسياسي ضمن مجموعة القيادات التي ذهبت بعيداً عن المواقع التنفيذية، ولكنه ظل أكثر المغادرين نشاطاً سياسياً وأوضحهم تعبيراً عن الزهد في المناصب والالتزام بصرامة شديدة ببرنامج التجديد ومنهج التغيير وسياسة الإصلاح، وحينما تحدث أمام المؤتمرين وأوصد الباب تماماً في وجه عودة القدامى مرة أخرى للجهازين السياسي والتنفيذي، وقال د.”نافع” تجديد القيادات مهم جداً والحنين إلى الماضي غير مبرر حالياً لأن العودة للوراء بمثابة النكسة والتراجع ومن يعاوده الحنين للماضي بمشاعره الجياشة فهو مخطئ في التقدير، وإن التقويم للتجربة ضروري في كل مرحلة.. وقال د.”نافع” بلهجة صارمة (تركنا الجهاز التنفيذي ولكن لن نترك المساهمة العامة وعلينا أن نتعلق بالفكرة وليس القيادات وذواتهم الفانية).. وكانت قيادات الوطني قد استقبلت حديث د.”نافع بالدهشة والاستغراب وقد هتف المؤتمرون بأصوات عالية حينما تم تقديم الدكتور “نافع” للحديث في الجلسة الأولى للمؤتمر، ويعتبر “نافع” الأقرب وجدانياً لقيادات وقواعد حزب المؤتمر الوطني وتنظر إليه بتقدير كبير لمبدئيته وصراحته.. التي تبلغ أحياناً حد جرح المشاعر الفياضة.. في الوقت الذي طالب المؤتمرون النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” بتجديد الثقة في الوالي “آدم جماع” وقد هتفت عضوية حزب المؤتمر (بالإجماع مع جماع)، وهي المطالبة الثانية التي تنطلق من شرق السودان بأحد الولاة المعينين، حيث سبق أن عبرت قواعد وقيادات الوطني ببور تسودان عن رغبتها في تجديد الثقة في الوالي “علي حامد” إلا أن تعبيرات أهالي كسلا كانت أكثر وضوحاً وإبانة وانطلقت من عمق المؤتمرين. وقد اعترف “آدم جماع” في حديثه بأن عثرات ومصاعب واجهته في الشهور الأولى لإدارة الشأن السياسي والتنفيذي بولاية كسلا.. بسبب الانقسامات والتصدعات التي وجدتها في جسد الحزب جراء الانتخابات التي شهدت تنافساً حميماً بين القيادات الطامعة في منصب الوالي.. وألمح “جماع” بذكاء إلى التصرفات الفردية التي طغت على أداء الحكومة التي كانت تقود الولاية بهدم مباني الوزارات بزعم تشييدها من جديد.. وإيجار دور وعقارات للوزارات الشيء الذي كبد الخزينة العامة أموالاً طائلة فيما كبلت الديون القديمة الحكومة حيث بلغت تلك الديون (168) مليار جنيه.. وحينما تحدث السيد نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” اختار الصراحة الشديدة مع المؤتمرين وقال إن قيادات المؤتمر الوطني يتبادلون الغزل مع الوالي الذي يشيد بهم وهم يشيدون به ويطالبون أن يبقى حتى الانتخابات القادمة.. وحذر “حسبو” من حالة الرضاء المتبادل التي قد تنقلب يوماً ما.. إلى مطالبة بإعفاء الوالي، ولكن المؤتمرين قاطعوه رافضين ذلك ومتمسكين بالإبقاء على “آدم جماع” الذي نجح في توحيد المؤتمرجية بعد طول انقسام.. ووضع “حسبو محمد عبد الرحمن” موجهات للإصلاح الاجتماعي في ولاية كسلا.. بتبني الأغنياء دعم الفقراء.. والتزام عضوية المؤتمر الوطني بالسلوك القويم ومساعدة الدولة في الحرب على الإرهاب والهجرة غير الشرعية ونبذ تجارة السلاح والتهريب. وترك نائب الرئيس الباب مفتوحاً للمعارضة التي تحمل السلاح في المنطقتين ودارفور للالتحاق بالحوار الوطني في مقبل الأيام.. وقال إن الحوار لم يغلق بابه.. بانتهاء جلسات الحوار ولا صدور الوثيقة الوطنية ولا تشكيل حكومة الوفاق الوطني خلال الأيام القادمة، معتبراً الحوار يبدأ من اليوم في كل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبين الكيانات الاجتماعية والقبلية وصولاً لحل المشكلات. ودعا النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي بدا أكثر ثقة في المستقبل إلى نبذ العنف الكامن في نفوس السودانيين خاصة وسط الطلاب وفي الجامعات، ودعا إلى التنازل عن السلطة لصالح القوى السياسية وأكد على تنازل المؤتمر الوطني عن (50%) من السلطة لصالح الآخرين لإشراك (116) حزباً وحركة مسلحة. وأقر النائب “حسبو” بأن التأخير في تشكيل الحكومة بسبب العدد الكبير من الأحزاب والحركات المسلحة.
ووضع النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” نقاطاً عديدة في سطور معضلة التطرف وسط الشباب واعتقاد البعض في مذاهب التطرف والغلو وداعش ولكنه برأ الشباب السوداني من الانخراط في تلك التنظيمات، باستثناء القادمين من أوروبا من المولودين في الدول الغربية.
{ كسلا والدكتور والمطرب “التاج”
إذا كانت فعاليات المؤتمر الوطني بولاية غرب كردفان قد تغنت فيها المطربة الشابة “مكارم بشير” ونثرت الأفراح وسط القاعدة العريضة في مدينة “الفولة” التي تغسل أحزان الأمس بطرب اليوم وعافية السنوات الأخيرة، فإن المؤتمر الوطني مضى في واقعيته وكانت مبادرة الوالي “آدم جماع” في كسلا بتكريم أحد مبدعي بلادي اللاعب الدولي الفذ والمدرب المعروف د.”محمد حسين” كسلا الذي اختار هو الآخر في يوم الوفاء أن يلبس وشاحاً من ناديه الأول الأهلي كسلا وكتب على الوشاح الأهلي (يجمعنا).. وتكريم “محمد حسين” كسلا من قبل ولاية كسلا وحزب المؤتمر الوطني بمثابة رد الجميل لهذا اللاعب الموهوب. وفي ذات الوقت تم تكريم المطرب “التاج مكي” ابن النيل الأبيض الذي عاش في “كسلا” وتغنى برائعة الحلنقي حبيت عشانك كسلا.. وأضفى التكريم بسمة في وجه النجمين اللامعين في وقت أعلنت فيه الدكتورة “انتصار أبو ناجمة” عن تبني طباعة الكتاب الثقافي ورعاية المبدعين الشباب في إطار مسؤوليات المؤتمر الوطني الثقافية والاجتماعية، وهي تقول أمام المؤتمر بكسلا نحن حزب شامل.. وقد شارك “إدريس محمد عبد القادر” القيادي في الوطني ووزير الدولة السابق برئاسة الجمهورية ونجم مفاوضات “نيفاشا” كعضو في مؤتمر الحزب بكسلا، بعد أن هجر الخرطوم وعاد لمسقط رأسه منذ أن غادر كرسي الحكم وامتهن الزراعة مثله واللواء “محمد مركزو كوكو” في “الدلنج”.. ولنا عودة.