دموع الثكالى
في عملية صامتة أطلقت الحركة الشعبية عدد (469) رأساً، من ماشية عرب الحوازمة الرواوقة هذا الأسبوع، وعادت الأبقار لأصحابها في أول تعاون مشترك على الأرض بين ضباط ميدانيين في الحركة الشعبية ومنسوبين حكوميين على الأرض، استثماراً لمناخ وقف العدائيات (السياسي) الذي أعلنته الحكومة من طرف واحد وعززته الحركة الشعبية بوقف من جانبها.. وظل الوقف المعلن لإطلاق النار سياسياً وإعلامياً تحكمه فقط الالتزامات الأخلاقية للطرفين من غير الضوابط المتعارف عليها في العلوم العسكرية عن إجراء وقف إطلاق النار، وإذا كانت الحكومة القطرية والرئيس اليوغندي “يوري موسفيني” قد ساهما الشهر الماضي في عملية إطلاق الحركة الشعبية لأسرى الحرب.. وردت الحكومة على الخطوة بالعفو عن المحكومين في قضايا جنائية وتنفس بعض المحكوم عليهم بالإعدام نسائم الحرية، بعد أن كانوا أقرب لمشنقة الإعدام، فإن عدد (469) رأساً، من البقر كفيلة بفتح قنوات لحوار بين القادة في الميدان الذين يدفعون ثمن القرار السياسي القاضي بشن الحرب بين أبناء الوطن الواحد.. وذرفت النساء الدموع مع صيحات الأبقار التي عادت لأحضان أصحابها وديارها ومرابطها في كادقلي في بهجة.. وتقافزت العجول الصغار طرباً بعد أن حبسها المتمردون طوال شهرين في مناطق أم سردبة وأم دورين والتيس، وكانت دموع نساء الحوازمة ورجالات القبيلة قد تجددت مع عودة قطيع الأبقار من غير الأطفال الصغار الرعاة الذين قتلوا ببشاعة مزقت الأحشاء وزرعت الغضب وسط عشيرة (الرواوقة) الأكثر تضحية ساعة النزال والأقل حظاً في ساعة المغانم وقسمة السلطة.. وكانت حملة واسعة قد انطلقت بعد مقتل (9) من الرعاة الأطفال في منطقة الحجيرات بالقرب من الملعب الرياضي الشهير (إستاد مرتا) في كادقلي.. وثلاثة آخرين في بجعاية شرق المدينة.. واختارت معظم قيادات عرب الحوازمة من الطيف السياسي المتنافر التآزر في حملة قادها “عبد الجليل الباشا”، أرغمت الحركة الشعبية وعقلها السياسي لإعادة النظر في حسابات سرقة المواشي وقتل الرعاة.. وانقسمت الحركة حيال منهج النهب والاستهداف الإثني لفريقين، الأول يرفض ذلك السلوك ويعتبره مهدداً لوجود الحركة، وفريق آخر يعتبر الوجود العربي في جبال النوبة أولى بالرحيل قبل إسقاط النظام في الخرطوم، وتحت وطأت الضغوط اتخذ “جقود مكوار” رئيس أركان الجيش الشعبي قراراً بتشكيل لجنة تحقيق وتحر حول ملابسات نهب أبقار الحوازمة وقتل الأطفال.. وانتهت اللجنة باعتراف بمسؤولية الحركة عن إعادة الأبقار المنهوبة، وقررت إعادة أولاً (80) رأساً، تسلمها أصحابها قبل أسبوعين، إلا أن الدفعة الأخيرة تمثل أكثر من (50%) من الأبقار المنهوبة.. لكن من يعيد أرواح الأطفال الذين غدر بهم في ليلة حالكة السواد، وقد عتمت وسائل الإعلام على الحدث الذي كان تحت بصرها.. إلا أن الصحافة السودانية لا تزال خرطومية ؟ فهل واقعة إعادة أبقار البقارة تفتح أبواب التفاوض الموصودة، وقد أعلن الوسيط “أمبيكي” عزمه تجفيف دموع الوطن بجمع الفرقاء مرة أخرى في أديس أبابا بعد أن التقوا على أرض الواقع من خلال عملية التسليم والتسلم بين القوى التي تحمل السلاح بوادي أم سردبة.