الفجيعة تتكرر .. ولن يستقيل أحد!!
تكاثرت خلال السنوات الأخيرة حوادث القطارات التي تسرح وسط الخرطوم وبين مواقف المواصلات دون مسارات معزولة، وضوابط مرورية وتأمينية تحفظ أرواح الناس و ممتلكاتهم من سيارات ومحمولات وغيرها، لتتكرر الفاجعة أمس بمصرع وإصابة عدد من ركاب حافلة دهسها قطار بالقرب من موقف “كركر” بالخرطوم، في مشهد كارثي جديد يضاف إلى قوائم العبثية والاستهتار في بلادنا وعاصمتنا على وجه الخصوص.
ونقل المواقف نفسها من مكان إلى آخر، وتحريك الحافلات و البصات بين ” كركر ” و” شروني ” و” الإستاد ” بعد إزالة موقفي الجامع الكبير و” أبو جنزير ” ليبقى الأخير ميداناً عاطلاً عن أي استخدام، أدلة واضحة على فشل الإدارات المتعاقبة في ولاية الخرطوم من وزارة التخطيط العمراني إلى البني التحتية.. بتغيير المسميات وثبات الفشل، إلى المحليات و شرطة المرور وجميع الجهات المسؤولة عن هذا (العك) و (الهرجلة) المستمرة من حكم (والٍ) إلى (والٍ) ومن ( معتمد) إلى (معتمد)!!.
يموت الناس كما يموت الضأن بالجملة بين قضيب السكة الحديد في الخرطوم، وعلى الأسفلت في شارع مدني، وفي طريق النيل الأبيض، وعلى طول طريق التحدي، بسبب الإهمال ورداءة الطرق، ضيق مساراتها وعدم إنارتها.
وفي الوقت الذي تطير فيه الكباري في ” دبي ” وتمر الطرق من تحت الماء، وينشأ مترو الأنفاق لخدمة أعداد محدودة من السكان، وتتعالى البنايات لعشرات الطوابق في لوحات معمارية مذهلة، فإن ” الخرطوم ” التي أوفدت خبراتها الإدارية إلى ” دبي ” مطلع سبعينيات القرن الماضي، ما يزال مسؤولوها قابعين عاجزين بين موقف ” كركر ” وموقف ” شروني ” في بؤس شديد يحكي عن ضعف الخيال وقصر النظر وسوء التفكير، كما تحكي مشاهد العبثية في هذه المواقف وغيرها على امتداد الولاية عن ثقافة (البداوة) التي ما تزال ترسم ملامح عاصمتنا القومية بعد (61) عاماً، من مغادرة السادة (الإنجليز)!!.
وعندما يلجأ ” الإماراتيون ” إلى بيوت الخبرة ” الإنجليزية” و الكفاءات ” الهندية ” في مجالات تخطيط المدن، المطارات و الإنشاءات، المواصلات، التطوير والتجميل، فإن القائمين على أمور ولاياتنا ومحلياتنا يفضلون أن تقوم بهذه المهام الجسام شركات (وطنية)، لأسباب إن تبدى لكم تسوءكم، تحت مبررات تدريب الكادر السوداني، وعدم توفر المال بالنقد الأجنبي و المحلي، حيث أن الشركات (الوطنية) تصبر على الجدولة و تقبل بالصكوك الآجلة!!.
والحقيقة أن الكثير من الشركات الأجنبية المؤهلة يمكنها القبول بتلك الشروط، لكن ولاتنا ووزراءنا هم الذين لا يقبلون، ليمنحوا الامتيازات لشركات (فلان) و(علان) وهؤلاء وأولئك، ليموت الأبرياء تحت عجلات القطارات (الحايمة) في شوارع الخرطوم وتبقى عاصمتنا قرية كبيرة متأخرة عن ركب العواصم!!.
هل سيستقيل والٍ، أو زير، أو معتمد أو ربما مدير، تحملاً لمسؤولياته عن هذه الكارثة، كما يحدث في أي دولة محترمة من دول العالم؟!.
لن يستقيل أحد.