المسؤولية الاجتماعية
المسؤولية الاجتماعية على عاتق الأجهزة والمؤسسات الحكومية لا ينبغي لها أن تصبح مجرد شعارات وأرقام لا وجود لها في الواقع.. والمسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال والمؤسسات الحكومية يجب فرض رقابة عليها من قبل أجهزة الضبط حتى لا يستغل البعض هذه المسؤولية الاجتماعية ويتبدد المال في غير وجهته مثل ما يحدث من قطاع الاتصالات في البلاد الذي ينفق أموال المسؤولية الاجتماعية في الخرطوم وحدها.. ويبث إعلاماً كثيفاً على أنشطة لا تستحق الذكر. وفي بعض الأحيان يتم تبديد المال في الاحتفالات المظهرية.. ولكن هناك مؤسسات وأجهزة حكومية تنفق بسخاء على المسؤولية الاجتماعية.. وتخفي ما تصدقت به تحت هذا البند باعتبار ذلك من مهامها.. ومسؤولياتها.. وفي ولاية مثل شمال دارفور انفق جهاز الأمن والمخابرات الذي كان متهماً بخرق حقوق الإنسان وممارسة التعذيب والتضييق على حريات الناس أنفق مبلغ (2) مليار جنيه، كما قال بذلك الوالي “عبد الواحد يوسف” .. ذهبت تلك الأموال لتشييد مسرح للفنون وحفر آبار للخلاوى ودعم الفرق الرياضية التي تمثل الولاية في الدوري الممتاز وتلك التي تنشط في الدوريات بالمدن الدارفورية.. وفي ولاية غرب دارفور التي احتفلت بنجمة الإنجاز التي نالها جهاز الأمن من قبل الرئيس، انفق العميد “ياسر أحمد محمد” مدير الجهاز بالولاية على الأنشطة الاجتماعية الثقافية بتشجيع شاعرات وشعراء المجتمع المعروفين بالحكامات والهدايين، لنشر ثقافة السلام في ولاية بها تصدعات اجتماعية عميقة جداً .. وكذلك خصصت مبالغ مالية وصلت (500) مليون، لدعم النشاط الرياضي والدعوي والمصالحات القبلية لدرء النزاعات التي تنشب بين مكونات الولاية الاجتماعية، واتخذت احتفالية جهاز الأمن في دارفور بحصوله على نجمة الإنجاز شعبياً أكثر منه رسمياً، وتبدت تفاعلات المواطنين مع أنشطة الجهاز كبيرة بسبب الالتزام الصارم بالإنفاق على المسؤولية الاجتماعية.. وفي الأسبوع الماضي جرت في مدينة الفولة منافسات لكرة القدم لبطولة ينظمها اتحاد المؤسسات الرياضي، ولعبت المباراة النهائية بين فريق يمثل جهاز الأمن وآخر يمثل وزارة الزراعة، وبغض النظر عن نتيجة المباراة ومن فاز بكأس البطولة، فإن مشاركة المؤسسات التي كانت في السابق يثير مجرد ذكرها الخوف والفزع في قلوب الناس في منافسات رياضية مدنية تفرح وتغني وترقص مع المواطنين، فإن ذلك بمثابة تطور مهم جداً في ارتباط أجهزة الدولة بالمواطنين باعتبار أن المهمة الأساسية التي انتدبت لها هي خدمة المواطنين وليست حراسة السلطة فقط .
إن المسؤولية الاجتماعية تقتضي أن تمد كل مكونات الدولة يدها للمواطنين وتقترب منهم أكثر . حتى الشركات الخاصة التي تسوِّق منتجاتها للمواطنين عليها التزامات بتوظيف الشرائح الاجتماعية الخاصة مثل المعاقين، وفي ذلك تتقدم شركات “أسامة داوود” على بقية القطاع الخاص.. ولكن مؤسسات حكومية تملك ثروات وإمكانيات كبيرة مثل صندوق الضمان الاجتماعي.. والمعاشات.. وشرطة الجمارك والمواصفات لا تجد لهم أثراً في الواقع الاجتماعي، وإذا وجدته فإنه ضعيف جداً، وحتى وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي تطغى على أنشطتها الاجتماعية المظهرية والديوانية والشوفونية، والأوضاع الاجتماعية للسودانيين تتطلب التزامات صارمة جداً بالمسؤوليات المجتمعية حتى لو اقتضى الأمر سن قوانين تلزم القطاعين الخاص والعام بصرف نسبة محددة من الأرباح على الشأن الاجتماعي.