لماذا الاحتجاجات؟
في اليومين الماضيين تصاعدت حدة الاحتجاجات من قبل المواطنين على سلوك وأفعال السلطات الرسمية.. وقد صيغت تلك الاحتجاجات بالسلوك العنيف في عدد من ولايات السودان.. من النيل الأبيض وحتى كردفان والشمالية.. الأخيرة هدد مواطنيها بإحراق فسائل النخيل التي تم استيرادها من الخليج، وقيل إنها فسائل مريضة تشكل خطراً على النخيل الموجود أصلاً في الشمالية.. وبسبب تلك القضية التي أثيرت في الرأي العام أو لأسباب أخرى تمت إقالة مدير وقاية النباتات وتعيين مدير قديم ظل يخرج ويعود لمكتبه حتى أصبحت وقاية النباتات (حاكورة) خاصة بالمدير “خضر جبريل” يخرج مفعولاً بقرار ثم يعود ظافراً لموقعه بقرار آخر.
ولأن الشمالية منطقة لم يتفش فيها العنف المادي بعد، ونسأل الله أن يحميها من تفشي العنف لم تخرج الاحتجاجات عن سلوك المجتمع المدني، لكن في محلية كالوقي بجنوب كردفان تم حرق معدات وآليات مصنع لتنقية الذهب صادقت على قيامه السلطات الحكومية المركزية والولائية وبسبب الدعاية الكثيفة عن أضرار تلك المصانع على صحة الإنسان والغموض الذي يكتنف مادة السناييد والمقاومة الشعبية العارمة لقيام تلك المصانع.. وسلوك الشركات التي تبحث عن المال في (فضلات) التعدين الأهلي المعروفة بالكرتة.. تصدى المواطنون بعنف شديد لقيام المصنع، وتم حرق معداته.. والتعدي على بعض المنشآت الحكومية.. والإنسان في تلك المناطق لا يعرف الهتافات ولا رفع الشعارات السلمية.. إذا غضب قتل وحرق وخرَّب وتمرَّد على السلطة.. وفي النيل الأبيض التي تعتبر اجتماعياً وسلوكياً أقرب لإنسان كردفان، ثم قطع طريق كوستي الأبيض عند محطة الوساع التي تبعد عن كوستي بنحو (18) كلم، احتجاجاً على سلوك نظاميين في مناسبة اجتماعية.. وقد عرف السودانيين (شكلت) الحفلات أو (خناقة) في المدن، حيث يتبادل الشباب الضرب بالأيدي وهم مفتونين بالحسان. ومعجبين بأنفسهم.. والقوات النظامية ليست ملائكة هبطت من السماء ولا هم دعاة إصلاحيين.. إنما مواطنين عاديين يرقصون ويطربون يدخنون ويأكلون العصيدة.. فلماذا الاحتجاج على مشاركتهم أهالي قرية الوساع أفراحهم.
وفي الفولة بغرب كردفان تم توزيع دكاكين وأكشاك لبعض المواطنين ولم يحصل آخرين على شيء.. الذين حالفهم الحظ ذهبوا راضيين عن المعتمد د.”ناصر علي عمر” والذين لم يحالفهم الحظ في القرعة أغلقوا الشارع احتجاجاً.. ووجدوا دعماً من بعض السياسيين الباحثين عن موطئ قدم لأنفسهم.. هذه الاحتجاجات لا ينبغي النظر إليها بعين التجريم، وإنها مؤامرة على النظام من صنع الشيوعيين وأذيال اليسار، لأن بلدة مثل كالوقي ليس بها شيوعي واحد، لكن في غياب المؤسسات الرقابية وقناعة المواطنين الراسخة بأن المجالس التشريعية التي ينبغي لها محاسبة الحكومات على أخطائها، قد أصبحت مجرد أصباغ تجميل في وجه الحكومة.. ومنابر للعلاقات العامة وساحة لمدح الحكومات.. إن المجلس الوطني الذي يفترض أن يحمل أعضائه هموم الشعب أصبحوا يحملون هم التصفيق للوزراء بصوت عالٍ حتى يرضى عنهم المسؤولين.. ولأن مجالس المحليات لن تقوم في القريب العاجل ولن تكون أفضل من أخواتها في الولاية والمركز.. استيأس الناس من هؤلاء وأخذ المواطنين الأمر بينهم.. في سلوك بالغ الخطورة.. وأفضل للحكومة أن تمنح أجهزتها الرقابية سلطة وتجعلها ملاذاً للمواطنين بدلاً عن الواقع الماثل الآن.