جربوا المختصين
منذ سنوات طويلة اختلف السياسيون وكُتّاب الرأي ومن يعرف بالنخب المستنيرة حول مهمة الوزير هل هي وظيفة فنية أم سياسية؟ وأيهما أجدى وأنفع الوزير السياسي أم الفني؟! وفي ذلك اختلف الناس واشتجروا، كل يتحدث من الضفة التي يقف عليها.. ونحن في هذا البلد على أعتاب تشكيل حكومة جديدة، ولا نزعم أن البلاد على مقربة من حقبة وعهد جديدين، فإن السؤال القديم المتجدد هل الأجدى والأنفع أن يكون وزير الصحة طبيباً ووزير الدفاع عسكرياً ومن أي تخصص قوات برية أم بحرية أو جوية؟ وهل يصبح وزير الداخلية شرطياً؟ ووزير الرياضة لاعب كرة قدم سابق مثل “علي قاقرين” و”مازدا”؟ أم نترك الوزارة لاستيعاب القادمين من الأحزاب الحليفة والحركات الشريكة حتى ولو كان الوزير القادم لا يميز بين برشلونة وتريعة البجا ولم يسبق له دخول دار الرياضة أم درمان؟ وهل يأتي لوزارة الثقافة “علي مهدي” المسرحي والدرامي والسفير العالمي أم نمنحها لسياسي لم يقرأ يوماً قصيدة لـ”بيرم التونسي” ولا يعرف ما إذا كان “الحاردلو” من البطانة أو دنقلا، ولا يتذوق الرواية ولا يمنح أذنه ساعة ليصغي لـ”عثمان حسين” وهو يشدو بروائع “بازرعة”؟ وهل الأجدى للبلاد أن يبقى بروفيسور “مأمون حميدة” وزيراً للصحة أم نأتي بـ”باكاش طلحة” النقابي في اتحادات المزارعين ليصبح مسؤولاً عن مجلس الأدوية والسموم وممثلاً للبلاد في اجتماعات منظمة الصحة العالمية؟ وهل يصبح وزير الإعلام من الكُتّاب والمشتغلين بالمعارف والتنوير؟ أم يعين رقباء وحراس بوابات السلطة وزراء لقمع الأقلام وتفتيش ضمائر الكُتّاب؟؟ وفي التجارب السودانية مخازٍ وإشراقات لكلا الفئتين.
لقد شبعت بلادنا من التعيين السياسي والاستيعاب الجهوي والمحاصصات القبلية، ونتيجة ذلك حصدنا صفراً كبيراً وثمراً بئيساً.. تدهورت الخدمة المدنية وتراجعت كرة القدم، واضمحلت مشروعات الثقافة والتنوير، وتراجعت فرص أهل النظر، وظفر بمقاعد الوزارات أهل الفعل الذين عندهم “كل شيء تمام يا سعادتك”، إلا حال البلد، تتراجع كل ساعة، وتهدر فرص التطور والخروج من عنق الأزمات، وإذا كانت حكومة الحوار الوطني التي تتخلق الآن في رحم دهاليز التفاوض والمشاورات قدر لها أن تجمع كل من نبذ الحرب واختار الحوار بديلاً للبندقية فإن الحكومة المنتظر ولادتها يترقب المواطنون أن تعلو فيها معايير الكفاءة والتخصص على اعتبارات السياسة التي إن طغت واقتضت الضرورة أن يصبح المعتمد من غير أهل الإدارة، فلا ينبغي أن تذهب وزارات مثل الصحة لغير الأطباء والثقافة لغير المثقفين والتعليم العالي لغير أساتذة الجامعات، وأن يحترم التخصص والقدرات.. وإذا كانت هناك ضرورة لاستيعاب المريدين والمخلصين، ففي المجالس التشريعية وقبة البرلمان متسع لهؤلاء، لكن يجب أن تترك وزارات التخصص للفنيين بعيداً عن أهل الولاء.