حوارات

الدكتور "عبد الله علي إبراهيم" المفكر والقيادى بالحزب الشيوعى السابق فى حوار للمجهر (2)

الإسلام يدخل مجال السياسة (أفتكر دا مطلب مشروع)
بعد تجربة الإنقاذ واضح أن الإسلام ليس هو الحل
حوار – صديق دلاى
{ واضح أنك تساند النظام في إجراء المصالحة؟
– ليس عقد تصالح بل أشجع اللعبة الحلوة، وأي توصيف لها أفهمه (أفكار ضيقة).
{ صرت تتفهم (الإسلام السياسي)؟
 (مافي إسلام سياسي) مثلما لا توجد مسيحية سياسية، لكن أعتقد أن الإسلام يدخل مجال السياسة (أفتكر دا مطلب مشروع) والإسلام (مثلاً) عنده مطالب عادلة، مثل البغاء، كيف يكون البغاء مباحاً؟!
{ الإسلام هو الحل؟
– دا عبارة عن جنون والكل يؤكد مقولة إن “عمر” نام تحت الشجرة (حكومة ومعارضة) وكلهم لم يخرجوا من الفترة الراشدية وفي التفكير الحديث وبعد 27 سنة محاولات، اتضح أن الإسلام ليس هو الحل، وأصل المشكلة زج الإسلام في الحكم ولو كان هناك اجتهاد ليقول أين يكون الدين وأين تكون السياسة، ذلك الدرس الذي فشلنا فيه وفي الستينيات كانت الغلبة للدين؟  
{ يمكن تقول (الفكرة اهتزت)؟
– حصلت شكوك في النطاق العام.
{ ما زلت على الماركسية؟
– أنا زول ماركسي.
{ كيف بكيت “الترابي”؟
– هو رجل عالم، وكما قلت لك عمل حاجات في السودان غاية في الأهمية.
{ أصبح التوجه العام نحو العلمانية؟
– الوجهة علمانية (دا مؤكد) وقد انتصرت بكثير من الكسب لأن الحاجات كلها استهلكت نفسها حينما يقال لفقراء أرجو أن يرفع الله عنكم الفقر (دا شنو غير الدين أفيون الشعوب).
{ كيف تعاملت مع أيام العصيان؟
– سميته ثورة البرجوازية الصغيرة واحدين قالوا نجح، لكننا لم نر نتيجة، وغالباً التغيير لا يتم والناس في بيوتها
{ لو فهمناك صح.. عندك رأي فني في مسألة العصيان؟
– نعم، رأي فني (ما تعصي بالطريقة دي) البص فاضي والشارع الفلاني فيهو كم زول.. والصورة دي قديمة.. ودا سوق كدا.. (هذا لا يصنع تغييراً ولا يصنع ثورة).
{ أنت مع التظاهرات؟
– (لأنو مافي ثمن، مافي تغيير) وما حصل في إضراب الأطباء كان منعطفاً غير عادي لم يُستغل كما ينبغي.
{ حتى العصيان وبكل ملاحظاتك الفنية أزعج الحكومة؟
– الحكومة أصلاً منزعجة، ودي حكومة غير متأكدة من أي شيء.
{ (قصدك) الحكومة خائفة؟
– آي حكومة خوافة.. وأرجو أن لا يكون المقياس فقط انزعجت وانفعلت.
{ هل تدعو الجماهير لانتفاضة؟
– أنا لا أدعو لأية انتفاضة، وطريقي هو طريق المصالحة الوطنية.
{ هل طريق المصالحة سهل ومعبد؟
– هناك إرهاق شديد ومن كل الأطراف.. فقط مطلوب شجاعة تقر بذلك الإرهاق وتعترف به كأزمة وطنية، وليس أزمة حكم ومعارضة.. ولازم يحصل ترتيب ومن قبلنا طبقته جنوب أفريقيا. وكان الوضع أصعب، (300) سنة من الظلم المقيت، وبدعوة من رجل واحد يقول لهم (لقد عفونا عنكم).
{ كيف تعيد رسم مثلث “حمدي”؟
– المثلث رسمه الإنجليز وليس “حمدي”، كانوا يريدون عائداً سريعاً عبر السكة الحديد ليوصل لهم إنتاج مشروع الجزيرة.
{ كيف نعيد تشكيله بعيداً عن تلك الجغرافيا العنصرية؟
– ناس الحركات المسلحة حاولوا كسره بالسياسة.. “عبد الواحد” وبقية المهمشين، وإنسان مثلي يرى أن ناس الهامش خسرونا بوصفنا جلابة، ولكن لدينا تجربة نفكر بها خارج ذلك الصندوق، كما قمنا من قبل، ضد صفوة شمالية عام 85 وفي 64 أيضاً.. في المائدة المستديرة حررنا المرأة من خلال نهضة دارفور والبجة.
{ الجلابة تجار وبس؟
– كان سوء ظن بالشمالي (على وجه الإطلاق)، والبندقية لم تسقط نظاماً.. لا “عبود” ولا “النميري” أسقطته البندقية، وحتى حينما تأتي انتفاضة يجيبوا حزب الأمة أو الاتحادي.. (ودي طبعاً ورطة تانية).
{ هل الشعب الأمريكي مطلع على سياسات حكوماته؟
– الشعب الأمريكي غير مطلع، بل اللوبيات هي التي تحدد كل شيء مثل قضية حقوق الإنسان.. وهم من يرفعون الجزرة في زمن معين.. ودور الحكومة، أية حكومة أمريكية، تلطيف ذلك الموقف وإخراجه بشكل مناسب.
{ على أي حال هي (حبة هوا)؟
– نعم هناك انفراجة للبنوك السودانية، ولكن ليس فيها كل الحل للمسألة الاقتصادية. وأنا فرحان لبلدي حينما ينكسر أي قيد. ولكن الاختراق الحقيقي لتنمية بلادنا موجود في الإنتاج، ومعيار الدولار كعنوان للأزمة يعدّ معياراً بسيطاً وسطحياً، ونفس هذه الحكومة حققت معجزة حينما أنتجت البترول في ظروف المقاطعة، ودا خيال وشجاعة وتاريخ.
{ كيف تقرأ الشروط الأمريكية لتخفيف العقوبات على  السودان؟
– شروط مؤسفة ومخجلة وكأنها وثائق لتحريرنا، وما تم من رفع للعقوبات هو حقوق سودانية مستحقة.
{ جهات عديدة تفتخر بفك الحظر؟
– المسألة لا تستوجب أي فخر. الأمريكان أدوك حقك (أيه الغريب).
{ ولسع باقي على الماركسية؟
– أنا مؤمن جداً بالماركسية.
{ وهي شمولية أخرى؟
– نحن مؤمنون بتلك التي تليق بالتطبيق على الواقع السوداني.
{ أي طريقة تلك التي تناسب الواقع السوداني؟
– الطريقة الخلاقة.
{ الماركسية بالسوداني؟
– في مسيرتنا حاجات كتيرة صحيحة.
{ يبدو أنك صاحب مشروع فكري؟
– مشروعي قائم على التفكر بأمانة في المحنة السودانية.
{ وتطرح نفسك كأنك بديل للحزب الشيوعي؟
– أنا لست وحدي.
{ البعض ينظر لأحوالنا وكأننا في كارثة؟
– نحن نمر بشيء تمر به دول كثيرة والسودان يعالج بالسودانوية،  ونحن دولة متقدمة جداً في معالجة ما فعله الاستعمار. وإليك تجربتنا في الجنوب ودارفور والدوحة. أفتكر مشاكلنا معروفة، وتقريباً أية “حلة” عندها مطلب عادل و(دي حيوية).
{ الشيوعيون يكرهون سيرتك؟
– عموماً الماركسية لم تضرني وفاتحة بصيرتي.
{ انفصال الجنوب؟
– انفصال الجنوب دا جزء من كفاءتنا، فهناك جزء منا اختار أن يذهب بحياته وكل شيء تم بالمناقشة والحوار.
{ ما فعله “الترابي” بالإسلاميين فعله أيضاً “عبد الخالق” بالشيوعيين (الانبهار بفرد)؟
– أنا نديد “عبد الخالق” ورفيقه، ما جئت الشيوعية بالعدوى، ومن الخطأ التفكير في القادة بتلك الطريقة.. وأعتقد أن الحركة الإسلامية حركة ديمقراطية ولا يوجد بها شيخ. اختلافهم وانشقاقاتهم دليل على الديمقراطية والحراك، وناضلوا ضد “عبود” و”النميري” و(دي إمكانيات كبيرة)، وتعجبني شجاعتهم التي واجهوا بها “النميري”، ثم هي صناعة عالمية رفضت التنظيم العالمي، ودا فيهو معاني من التكوين السوداني.
{ دا مدح واسع من ماركسي معروف (كلام عندو قيمة)؟
– ولكن الحركة نفسها ارتكبت حماقة حينما قامت بالانقلاب مثل الشيوعيين بالضبط.
{ حتى الأيديولوجيا انخفضت حظوظها؟
– الأيديولوجيا مالها؟ أنظر للماركسية كيف ساعدتنا في فهم الاستعمار.
{ الموقف من الدين مستمر كعقبة لسودنة الماركسية؟
– أنا كلي دين وتدين.. ونحن لسنا معزولين عن المجتمع السوداني فينا تصوف واضح.
{ المهم سلاح الدين تم استخدامه ضدكم بدقة؟
– لم يستخدموه ضدنا ولكنها كانت علامة نجاحنا، كنا مسيطرين على الساحة وكيف ندخل على المجتمع السوداني بدون دين، والناس شافوا دينا.
{ كيف تنصح الجيل الجديد وهو على عتبة الحزب الشيوعي؟
– نعم، في جيل جديد بدأ يفكر في الماركسية والشيوعية بطريقة اجتماعية ولكني أنصحهم أن لا يدخلوا الحزب الشيوعي.
{ ليه؟
– الجماعة ديل لحدي الآن ما قادرين يفسروا التعقيدات الرأسمالية. وظهرت الماركسية في الأربعينيات تتحدث عن الطبقات كشيء مستغرب فيه.. وكانت من أضعف حجج الماركسية، بينما اليوم ظهرت الطبقية في العلاج والتعليم و(مافي حاجة مدسوسة).. ومن العجائب ظهرت الطبقية حينما سقطت الماركسية في العالم.
{ كيف تنظر للسودانيين وهم يمشون في الشارع العام؟
– الوجوه مهانة (أهينت جداً) وهي تنظر للعربات الفارهة ومن الحكمة أن لا نهين الناس إلى تلك الدرجة.
{ (سؤال افتراضي).. “عبد الله علي إبراهيم” رئيساً لحزب الأمة؟
– أقول إن حزب الأمة لا يمكن أن يكون رئيسه من غير بيت “المهدي”، وأي زول يفكر غير كدا يمشي يبحث له عن عمل تاني.
{ هل تلك الخاطرة سببها ماركسية “عبد الله”؟
– أنا برؤيتي الماركسية أحترم تلك التكوينات. وأتعاطى معها بكل رحابة ونحن عملنا اتحادات المزارعين من ناس أنصار. ولا يمكن أطالب أنصاري يطلع من الأنصارية ليدخل اتحاد المزارعين. ونحن لا نخاف من الزول العادي بل نعمل معه بجدية.
{ نفس السؤال الافتراضي.. وأنت مكان مولانا “الميرغني”؟
– دا حزب حق الختمية.. ولو كان ناس “علي السيد” عاوزين ديمقراطية أحسن يمشوا يعملوا ليهم حزب تاني.. وهي نفس حكاية ناس “الأزهري” و”المحجوب” عملوا هلولة وذهبوا. وناس “علي السيد” كرروا نفس القصة، بطريقة ركيكة، وعليهم أن يفهموا أن بعد “الحسن” سيأتي “إكس الميرغني” وهكذا لغاية نهاية الدنيا.
{ نسمع بقيام مؤتمر عام ومعناها توجد انتخابات لرئيس الحزب والمكتب السياسي؟
– أهو  الإمام “الصادق” عمل انتخابات وجاء إمام.
{ ولو كنت مكان “الخطيب”؟
– “الخطيب” ما زيهم فالرجل جاء بالانتخاب مرتين.
{ كيف يمكن أن تشرح لنا السلطة (كمفهوم مطلق)؟
– السلطة معرفة.. وهي أكبر إفراز للمعرفة، لو أخذنا شيخ الطريقة تشرح سلطته بالمداحين والكرامة والمريدين وتنتهي الأمور بقبول تلك السلطة.
{ والثقافة؟
– الثقافة مركزية جداً وأساسها العربية والإسلام. بينما تستوعب الثقافات الأخرى كثقافات في شكلها الراقص. وهي ليست إهانة، بل إهمال.. وأظن أن تعريف السودان الرسمي (عربي مسلم).
{ قبل فترة كانت كادوقلي مقراً كعاصمة الثقافة الأفريقية؟
– دا عمل علاقات عامة.
{ هل تعاطفت يوماً مع “بن لادن”؟
– نحن لم نسمه إرهاباً، ونلزم الطرف الآخر بعقود سياسية، تكشف أن الغرب له سهم من المسؤوليات في إنتاج تلك الظواهر، وطريقة التعامل معها بتلك القسوة أعطى الناس هنا شعوراً بالإهانة، وكل ما يقوم به هؤلاء الناس يمثل رد فعل لإهانات بنيوية معقدة.
{ “داعش”؟
– ليس من حق البعض أن يقول إنها ليست من الإسلام، ويمكن أن يقال عنها خطأ وغلط.
{ هل أنت متعاطف؟
– أبداً.. و”لينين” كان أخوه إرهابياً.
{ قبضوا عليه حينما حاول قتل القيصر وقتلوه.. تصرف “لينين” بذكاء شديد، وقام بتكوين حزب ابن كلب جداً، لا يعطي أية فرصة لأي زول يفكر في مبادرة الإرهاب كحل للتعبير عن الاحتجاجات.. وأنشأ الحزب أساساً ليكون بديلاً للإرهاب، وشاف بنفسه نهاية الإرهاب في أخيه.. ولو فهمنا دا (كيف يبقى الإنسان إرهابياً) سنعطي حلولاً مبكرة في التعليم والهوية على الأقل.
{ الحوار الوطني؟
– كأننا نعيد اختراع العجلة.
{ كيف قرأت مقولة “منصور خالد” الشهيرة (على السودانيين أن يستعدوا لقبول أول حاكم غير عربي وغير مسلم) وكان يقصد الدكتور “جون قرنق” طبعاً؟
– (الرجل رحل، وربنا ما أدانا ليها، نعمل شنو؟!).
{ من تنعي في مثل هذه الأيام؟
– أنعي الحزب الشيوعي السوداني، لأنه هو الحزب الذي صنع السودان الحديث.. وكان يعول عليه أن يعدل رأس البلد، يختلف معه ويطرد من البرلمان لكنه يوزع الوعي ليل نهار، وكان يصنع السياسة السودانية.
{ بعض الإسلاميين يصرحون بأنهم يفتقدون الحزب الشيوعي القديم والمتألق؟
– هؤلاء “فاقدين حنان”.
{ والصحيح؟
– الصحيح أنا من زمن الأربعينيات في الحزب دا.. كان يصنع المبادرة ويقدم الآخرين، بل كان الحزب الشيوعي جسراً للسياسة العالمية.
{ لو قدر لك أن تختار متحدثاً رئيسياً لندوة مفصلية تقام بالميدان الشرقي جامعة الخرطوم.. من يكون ذلك المتحدث؟
– “الزين علي إبراهيم” لو لم يتوفاه الله (رحمة الله عليه).
{ لماذا “الزين” تحديداً؟
– زول وفاقي.
{ لسع بتضحك من جوة؟
– لأني لا أنتظر مجداً ولا وظيفة.. وتعودت على تلك الحياة.
{ كنت في نيويورك أثناء فضيحة الدبلوماسي (حسب ما قيل).. كيف تابعت الموضوع؟
– الإنقاذ هي سبب الفضيحة.
{ المهم؟
– صورة البلد ما واضحة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية