مطلوب رقابة
{ قبل إعلان وقف إطلاق النار المرتقب لدواعٍ وأسباب إنسانية وتوصيل المساعدات للمتأثرين بالنزاع في جبال النوبة والنيل الأزرق والموجودين في مناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية، ثمة أسئلة مهمة تبحث عن إجابة، وقد بات (متعذراً) الحصول على إفادة صحيحة من الوفد الحكومي، الذي (يتهرب) من مواجهة الإعلام ويتخفى في الظلام، بعد أن نجحت القوى الرافضة لمبدأ وقف الحرب في (إرهاب) الوفد ووضعه تحت الضغط و(الابتزاز) الشديد، لكن ذلك لا يغني ولا يعفي الوفد الذي يقوده الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وإدريس محمد عبد القادر من الإجابة عن سؤال: من يراقب وقف إطلاق النار الذي يجري التشاور حالياً بين الحكومة ومبعوث الأمم المتحدة هايلي منغريوس في الخرطوم لإقراره مع بدء وصول المساعدات للمناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية؟ هل تتولى الأمم المتحدة مهام المراقبة وقد خرجت الأمم المتحدة من السودان ولم تبق من قواتها إلا القوة الأثيوبية التي (تراقب) الأوضاع في أبيي وقوات (اليونميد) في دارفور؟ فهل يصدر تكليف جديد عبر تفويض من مجلس الأمن للبعثة في الانتشار بجبال النوبة والنيل الأزرق؟
{ وهل تعيد الأمم المتحدة تجربة بعثة (J.M.S) التي عهد إليها بمراقبة وقف إطلاق النار في جبال النوبة بعد إعلان هدنة سويسرا عام 2004م، ونجحت البعثة حينذاك في لعب دور مهم في الإبقاء على وقف إطلاق النار سارياً حتى وُقعت اتفاقية السلام.. ونجاح لجنة وقف إطلاق النار حينذاك يعود للرهق الذي أصاب الطرفين من طول احتراب وحنكة الجنرالات السويسريين الذين عهد إليهم بمهمة المراقبة، إضافة (للتفاهمات) بين ضباط القوات المسلحة والجيش الشعبي.. ولكن هل الظروف الموضوعية التي أدت لنجاح تلك التجربة متوفرة الآن، والمعارك لا تزال ضارية والنفوس (محتقنة) بالمرارات الشديدة؟
{ بالطبع أي وقف إطلاق نار بين قوتين متقاتلتين في حاجة لطرف ثالث يراقب الخروقات، وآلية مشتركة من الطرفين تدعمها إرادة سياسية لإزالة أية مخالفات تقع من طرف في المعادلة.. فهل يملك الطرفان- أي الحكومة ومتمردي جبال النوبة والنيل الأزرق- الإرادة السياسية التي تجعلهما ينفذان ما يُتفق عليه في الاجتماعات وما وُقع على الأوراق؟
{ صحيح أن الحركة الشعبية تسعى مهرولة للتوقيع على اتفاق المسار الإنساني لحاجتها للغذاء في المناطق التي تسيطر عليها.. وصحيح مهما وضعت الحكومة من الشروط حتى لا يذهب الغذاء للجنود والعسكريين فإنه سيذهب لأيدي المقاتلين قبل المواطنين، لأن التمييز بين المقاتل والمدني في الغابة والجبل صعب جداً، والذي يحمل البندقية سيضعها ويرتدي (أسمالاً) بالية، ويقف في انتظار الإغاثة ليحصل على الغذاء، ولكن المهم أن تُستثمر فترة وقف إطلاق النار المقترحة بـ(90) يوماً في التقدم بخطى حثيثة، ورغبة في تسوية المسار السياسي والترتيبات الأمنية والعسكرية، لأن وقف الحرب في المنطقتين هو الضمان الوحيد لعلاقة مستقرة بين الشمال والجنوب، وأي اتفاق يتم توقيعه بين جوبا والخرطوم معرض للانهيار سريعاً إذا ما فشلت جهود التسوية في المنطقتين.