بعد ومسافة
حول ما يتردد عن الأصول الآرامية في القرآن الكريم
مصطفى أبو العزائم
مثلما توقعت قبل نشر المادة الموسومة بـ(حول معاني الحروف المقطعة في القرآن الكريم) على ذات هذه المساحة يوم (الثلاثاء) الماضي، فإن ردود الأفعال ما زالت تتواصل، خاصة بعدما نشرنا ملخصاً لآراء الشاب السعودي “لؤي الشريف” على (السنابات) والتي ذكر فيها أن الحروف المتقطعة في القرآن الكريم مثل (ألم – ألر- طه – كهيعص) لها معانٍ في ذاتها إذا ما أرجعت إلى اللغة السريانية، رغم أنه قد لا يكون لها معنى في اللغة العربية، وقد أشار الشاب “لؤي الشريف” المهتم بدراسة اللغات السامية– نسبة لـ”سام” أحد أبناء سيدنا “نوح” عليه السلام– أشار إلى أن أصل الأبجدية العربية مأخوذ من الأبجدية السريانية التي هي أصل اللغة العربية، وفيها كل حرف له معنى في حد ذاته.
أشرنا إلى ما قال به “لؤي الشريف” حول معاني تلك الحروف المنقطعة بحيث تعني (ألم) اصمت، و(ألر) تعني تبصّر وتأمل بقوة، بينما تعني (طه) يا رجل، مستنداً إلى أن الهاء حرف نداء والطاء تعني رجل في السريانية، بينما تعني (كهيعص) هكذا يعظ.
بالأمس نشرنا تعقيباً من السيد الدكتور “سليمان حسن الكنزي” انتقد فيه آراء الشاب السعودي “لؤي الشريف” وحاول دحضها بالمنطق وعلوم التفسير، لكن لا الهاتف توقف عن استقبال المحادثات حول ذات الموضوع، ولا صندوق بريدنا الإلكتروني توقف عن تلقي التعليقات والتعقيبات، منها ما يؤيد ما ذهب إليه الباحث الشاب “لؤي الشريف” ومنها ما يساند ما ذهب إليه الدكتور “سليمان الكنزي”، حتى أن أحد مؤيدي مذهب الباحث “لؤي الشريف”، السيد “الرشيد فضل السيد الحسن” رئيس اتحاد مزارعي ولاية نهر النيل السابق، أشاد بما عدّه فتح باب ظل مغلقاً لسنوات عديدة، لم يجرؤ أحد على فتحه، أو حتى طرقه، وقال لي في محادثة هاتفية إن (نون) الحرف الذي أقسم به الله عز وجل في سورة (القلم)، هو حرف عربي، لكنه يعني في السريانية كلمة (حوت)، لذلك كان سيدنا “يونس” عليه السلام هو (ذو النون).
بعض المستشرقين يرى أن أصل العربية هو السريانية، وبعض أعداء الإسلام يرى أن تفسير القرآن لا يتم إلا من خلال اللغة الآرامية – السريانية.. ولم يذهب واحد حتى إلى أن تلك اللغات أصلها واحد.. وأذكر أن السيد “إسحق محمد الخليفة شريف” وهو أحد علمائنا الأفذاذ، الزاهدين عن كل ضوء، ومن الباحثين في أصل اللغات وفي كثير من العلوم والغيبيات، سبق أن سمعت منه أن لغة العالم كله كانت واحدة، وقد استشهد بعدة كلمات من بينها كلمة (أرض) بالعربية التي تقابلها كلمة (إيرث) بالإنجليزية، و(إيرد) بالألمانية، و(شمس) في العربية تقابلها (سَنْ)، و(مرآة) تقابلها (ميرور) باللغة الإنجليزية، وقد انتبهت شخصياً لذلك بعد حديث الراحل السيد “إسحق محمد الخليفة شريف” وقد كان صديقاً للسيد الوالد رحمهما الله، وأخذت أتصيد المتشابه في اللغات، لأجد إن (ها عولام هاذي) باللغة العبرية وهي لغة سامية تعني (هذا العالم) و(ها آرتس) العبرية تعني (هذه الأرض) بالعربية، وهما اسمان لصحيفتين إسرائيليتين، ووجدت أن الأرقام تكاد أن تكون واحدة في النطق لولا بعض الاختلافات البسيطة، فمثلاً (واحد) تجدها (ون) و(اثنان) تجدها (تو)، لكن الأكثر تشابهاً هو كلمة (صفر) بالعربية التي تقابلها (سيفرو) بالإيطالية التي انتقلت منها إلى اللاتينية، لتصبح بالإنجليزية (زيرو) وهي أقرب لكلمة (صفرٌ) بالتنوين.
ويستشهد البعض بكلمات غير عربية الأصل وردت في القرآن الكريم، مثل كلمة (قسطاس) و(قسط) ويرجعونها إلى الأصل اللاتيني (جستس) وكذلك كلمة (صراط) التي يرجعونها إلى الأصل اللاتيني (ستراتا) والتي هي كلمة (ستريت) في اللغة الإنجليزية بمعنى طريق.
مهما قيل فإن لغة القرآن ستظل هي العربية، ويظل هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة، ويحفظ التاريخ لعلماء العرب اللغويين وفي مقدمتهم “أبو الأسود الدؤلي” أنهم أول من قاموا بتنقيط الحروف العربية، وأول من وضع لها حركات– التنوين– حتى لا تختل الكلمات ولا المعاني مع تقدم الزمن، وهو ما جعل الحروف العربية (26) حرفاً بعد أن كانت (15) فقط، لتشابه كثير منها في الشكل واختلافه في النطق قبل التنقيط، مثل الباء والتاء والثاء والحاء والخاء والجيم.
نسألك اللهم علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء، ونسألك الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونستعيذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.. ونسألك الرضا بالقضاء والصبر على البلاء، والشكر على النعماء.. آمين يا رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
و.. جمعة مباركة.