عابر سبيل
غداً الركوب مجاناً!!
ابراهيم دقش
لازال أهل المؤتمر الوطني في خضم الأخذ والرد حول تكوين حكومة الوفاق الوطني التي دعت لها الحكومة القائمة بمحض إرادتها.. وحددت الوثيقة الوطنية ثوابت الدولة الجديدة. ولازالت الأحزاب والحركات والجماعات المشاركة في الحوار الوطني “تراوح” بين الوعود والتمنيات وتفاضل بين خيارات لم تتضح طبيعتها بعد.
ووسط هذه الأجواء الضبابية والتصريحات الهلامية والشائعات ذات الغرض وذات المرض تبدو ولادة حكومة الوفاق متعسرة، وربما تتم عبر عملية قيصرية “وببنج” كامل.. وقد تملكني من العجب أشدَّه وبعض ساستنا سواء أفي الحكم أو خارجه أو بعد جرَّب المشاركة وذاك المتطلع لها، لكونهم يتحدثون بلسان الأمس، ولهجة الماضي.. المحاصصة والأنصبة.. ففي فهمنا المتواضع للغاية أن الحكومة القادمة قائمة على تفاهم بأنها محددة ومحدودة المهام.. وعلى فهم عام بأن المشاركة هذه المرة قائمة على المسؤولية.. والمشاركة المسؤولة لا تلتفت للكم ولا للعددية ولا للأنصبة، باعتبار أن المطلوب (تمثيل) قد يكون رمزياً، وقد يكون قياسياً وقد تعرضه ضرورات قائمة، وقد تحدِّده معايير قاسية بعد أن جرَّب الناس المحاصصة والترضيات والاعتبارات الجهوية.. فلم يحصدوا إلا الهشيم وشوك القتاد.
فهذه المرة لا مجاملات ولا ترضيات ولا تسويات.. وهذه المرة المنصب الدستوري أو التنفيذي الوصول إليه بسلم التأهيل والكفاءة والولاء للبلد وأهل البلد، فالمفترض أن (الدريبات) القديمة قد تم هجرها للأبد، وليس من سبيل إلى إحيائها أو عودتها للحياة السياسية، وبالتالي المشاركة في الحكم أو الحكومة ليس بالربع أو الثلث ولا بالكيلو جرام أو الكيلو واط أو بالوزن “القتالي”.
فإن لم يفهم أهل المؤتمر الوطني هذه المعادلة سنظل قابعين في عنق الزجاجة، وإن لم تفهم الأحزاب المشاركة والجبهات والفصائل المقاتلة أن الأمر ليس (لحم) تور يتقاسمونه، وإنما هو شأن أمة عمرها واحد وستون عاماً، من الاستقلال ولازالت بلا ثوابت وطنية أو دستور دائم علاوة على تحديات كبرى ماثلة وأخرى خانقة. والحل في الترفع عن الصغائر والمطامع والمطامح، وليكن الوطن هو الأعلى ومصلحته هي التي فوق الجميع..
أخشى على الشعب السوداني من (حيلة) صاحب حافلة كتب عليها بخط واضح (غداً الركوب مجاناً).. ولأكثر من خمس سنوات هو عمر الحافلة لم يجئ ذلك الغد.
فيا ساسة بلدنا هناك أسوأ الخيارات ونعرفه جميعاً . الطوفان.. فمن فضلكم جنبونا له.