الحركات المسلحة في الشمال والجنوب كروت تحت رحمة الاتفاق !
شهدت دارفور خلال الفترة الماضية هدوءاً نسبياً أرجعه بعض المتابعين لمجريات الأحداث إلى النتائج الإيجابية التي تمخضت عن اتفاق الدوحة بينما رده آخرون إلى وجود الحركات المسلح بدولة الجنوب بعيداً عن مواقع وميادين الاحتراب والتعقيدات التي أعقبت الانفصال، من توتر في العلاقات بين دولتي الشمال والجنوب ومشاكل اقتصادية، لكن الأسبوع الماضي وقعت أحداث في مدينتي نيالا وكتم قتل على إثرها معتمد محلية الواحة .عبد الرحمن محمد عيسى ..هذا.. بجانب عدد من القتلي والجرحى في نيالا، هذه الأحداث..أعادت الى الأذهان الصورة الأولى لمشهد الصراع الدارفوري الذي أدى الى بروز عدد من الحركات المسلحة وقتها ومنذئذ أصبحت الحركات المسلحة متهمة بالمشاركة في أي عمل مسلح، هذا الفهم لم يبتعد عنه كثيراً بعض المسؤولين هناك في تفسيراتهم للأحداث الأخيرة، وكان من بينهم والي ولاية جنوب دارفور، حماد إسماعيل، الذي قال إن ما حدث في ولايته كان مسنوداً بدعم الحركات المسلحة، لكن كان مدهشاً تبرئة نائبه عبد الكريم موسى في إحدى تصريحاته الحركات المسلحة من هذه الأحداث، الأمر الذي جعل أقواله تتضارب مع واليه، إلا أنها تطابقت بالمقابل مع ما اعتقده المراقبون الذين أكدوا بدورهم على وجود تراكمات وإشكالات قديمة في ولاية جنوب دارفور منذ أن غادرها واليها الأسبق عبد الحميد موسى كاشا ولم يسعَ المسؤولون لحلها، وحينما حاولوا القفز فوقها انفجرت الأوضاع، فيما أشار دكتور التجاني السيسي في حديثه لوكالة فرانس برس الفرنسية إلى أن الحركات التي لم توقع على اتفاق الدوحة تسللت الى دارفور عبر أراضي جنوب السودان لشن هجمات على المنطقة، وأياً كان السبب فقد أصبحت الأنظار المحلية والعالمية هذه الأيام بعد أحداث كتم تتجه نحو دارفور ربما لأن الصراع اقترب من (قبلنة) المشكلة وهناك سؤال مطروح حول مستقبل الحركات المسلحة حال توقيع حكومتي السودان وجنوب السودان على الملف الأمني الذي يلزم الدولتين بعدم دعم الحركات المسلحة والمعارضة، كما أن حكومة السودان ظلت متمسكة طيلة أيام التفاوض بطرد الحركات المسلحة الدارفورية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الملف الأمني أولاً ومن ثم الدخول في تسوية بقية الملفات العالقة، وواقع الحال ينبئ بإمكانية إستجابة حكومة الجنوب لهذا الطلب خاصة بعد اتفاق النفط الذى وقع دون أن يكون هناك اعتراض من قبل الدولتين على رسوم الترحيل التي تم التكتم عليها في البداية وفقاً لطلب الوساطة، بجانب دخول المجتمع الدولي على الخط خاصة أمريكا التي لولاها لما تمت تسوية النفط أو هكذا بدا للناس بعد زيارة كلينتون للجنوب وتهنئة أوباما للدولتين.
كذلك قد تكون بعض الحركات المسلحة راغبة في مغادرة الجنوب بعد حدوث مستجدات لاسيما أن وجودها فيه قد صاحبته سلبيات عديدة، حيث سبق أن تعرضت بعض قياداتها للتصفية دون أن تكشف حكومة الجنوب عن الجاني، الأمر الذي سبب إزعاجاً لبعض الحركات وهذا يؤكد أن وجودها في الجنوب وجود مرحلي وتكتيكي وربما مصلحي يمكن أن يزول عند حدوث أية تطورت سياسية تقود الى تحسن العلاقة بين حكومتي الشمال والجنوب، أيضاً تجارب بعض دول الجوار التي سبق أن استضافت الحركات الدارفورية بهدف عمل مناورة سياسية مع حكومة السودان تشير الى إمكانية اتخاذ الجنوب مثل هكذا قرار، فقبل ذلك تم إبعاد حركة العدل والمساواة من تشاد عقب عودة العلاقة بين سلطتي الدولتيين وتوقيع اتفاق القوات المشتركة لمراقبة الحدود، ومنع رئيسها المرحوم دكتور خليل إبراهيم من دخول تشاد رغم العلاقة التي كانت تربطه بالرئيس إدريس دبي وارتباطات التداخل القبلي في تلك المناطق وظل عالقاً في مطار إنجمينا إلى أن دعاه الرئيس الراحل معمر القذافي إلى الاستقرار بليبيا وبعد المتغيرات التي حدث في ليبيا وأدت الى رحيل القذافي ونظامه وزوال مبررات الأدوار السياسية التي كان يلعبها النظام القديم اضطرت حركة العدل والمساواة الى الرحيل صوب الجنوب حيث كان مرحباً بها بعد توتر العلاقة مع حكومة الشمال كما أن كلتا الحكومتين كانتا تسعيان إلى الاحتفاظ بكروت ضغط قوية ووجدتا ضالتهما المنشودة في الحركات المسلحة، لكن كما هو معروف أثناء هذه الرحلة الطويلة تم رصد تحركاتها وفقدت الحركة قائدها دكتور خليل، أما أركو مناوي فقدت تناقلت الأخبار قبل ذلك حديث عن تهديدات تعرض لها مناوي في الجنوب نتيجة للانفلاتات الأمنية التي يشهدها والصراعات بين الحركات المسلحة المناوئة للنظام هناك ولهذا السبب ظل متنقلاً بين يوغندا والجنوب ربما في إطار البحث عن مقرات بديلة حال تم مغادرتهم للجنوب.
الدكتور التجاني السيسي رئيس السلطة الانتقالية لإقليم دارفور توقع كذلك أن يتم طرد حركات دارفور المسلحة من الجنوب إذا قادت مفاوضات أديس أبابا الى توقيع إتفاق بين حكومتي السودان والجنوب أو كما أكد عندما قال بالأمس في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برنس الفرنسية: (بما أن الجنوب سيقلل دعمه لهذه الحركات فإن الحركات الدافورية المتمردة ستصبح ضحايا نتيجة لتحسن العلاقة بين الخرطوم وجوبا) إلا أن الكاتب المعروف عبدالله آدم خاطر استبعد أن تكون الحركات المسلحة ضحية حال حدوث اتفاق بين حكومتي السودان والجنوب، وقال لـ(المجهر) إن حركات دارفور مدركة لحقيقة أنها مرحب بها في العملية السلمية لذلك في أية وقت يمكن أن تتخذ قرار الانضمام الى الدوحة، وحينها ستصبح عاملاً مساعداً في إنهاء الصراع بين الشمال والجنوب لكن يمكن أن تصبح ضحية إذا لم تفكر في البدائل المطروحة أمامها.
هذه التوقعات التي رأى بعض متبنوها أن تنتهي بجعل حركات دارفور ضحية إذا حصل اتفاق بين الشمال والجنوب، ليس بالضرورة أن تنطبق على مقاتلي قطاع الشمال الذي يجد الدعم والمساندة من حكومة الجنوب رغم ما تناولته صحيفة مكلاتشاي الأمريكية التي قالت إن سلفاكير اعتذر للرئيس الأمريكي أوباما عن نفيه قبل ذلك موضوع دعمه لقطاع الشمال ، على ضوء تبني الحركة الشعبية الأم لهذا القطاع وإصرارها أن يكون ضمن منظومة الاتفاقات التي تتم في مفاوضات إديس أبابا، كما أن سلطة الجنوب تراهن على عودة مشروعها القديم على يد ابنها الشرعي قطاع الشمال، هذه المعطيات تشير الى إمكانية أن تصبح حركات دارفور ضحية لأية تسوية تتمخض عن مفاوضات أديس، فدعونا ننتظر.