اختطاف
“محمد حسين ضي النور” اسم كبير جداً في مدينة نيالا.. ظل ممسكاً بالبندقية منذ اندلاع فتنة دارفور، خاض عشرات المعارك بما في ذلك معركة “قوز دنقو” التي كتبت نهاية التمرد.. قدم شقيقه شهيداً ولم يذرف عليه دموعاً بقدر ما ذرف الدمع على وطن كاد أن يضيع لولا رجال مخلصون قدموا الأرواح في سبيله.. اثنان من أبنائه يقاتلان اليوم في صف القوات التي تنافح عن أمن دارفور وتصد عنه كيد الكائدين.
صباح أمس حدثني “محمد حسين ضي النور” وهو من الرجال الذين إذا تحدثوا فلزام على الآخرين الإصغاء إلى أقوالهم، وطالب القيادة السياسية بالإبقاء على والي جنوب دارفور المهندس “آدم الفكي” لدورة تنفيذية جديدة، وذلك لأسباب عدها “ضي النور” على أصابع يديه، أولها أن الانقسام المجتمعي وبوادر الفتنة القبلية التي (صنعها) الولاة الذين تعاقبوا على حكم نيالا قد قتلها الوالي في مهدها.. ومزق (معسكر هبت، ومعسكر ستقف) وهي تكوينات قبلية تحوصلت داخل المؤتمر الوطني في الانتخابات الأخيرة.. السبب الثاني إدارة الملف الأمني من خلال الأجهزة الرسمية، شرطة وجيش وأمن ودعم سريع، وقضى على مظاهر التفلت وانفراط عقد الأمن والنهب والسلب الذي بلغ حد اختطاف متهم من داخل المحكمة تحت بصر القاضي الذي وقف يذرف الدموع على إهدار العدالة وذبحها بمدية المتفلتين.. والسبب الثالث أن الوالي “الفكي” جفف المال الذي كان يخصص لشراء الولاء والاستقطاب ورفض الإذعان لضغوط القبائل والمتحدثين باسمها، وأغلق باب دفع الحكومة لديات الصراع القبلي.
بعد أن عدد “محمد حسين ضي النور” تلك الأسباب، أقسم إنه لا صلة تجمعه بالوالي “الفكي” ولم يطرق بابه يوماً وإذا وجده في الشارع العام فالوالي لن يرد له التحية.. ولكن على قوله الأمانة تقتضي إنصاف الذين يعملون بجد من أجل البلاد.
تم في بحر هذا الأسبوع اختطاف رئيس نادي حي الوادي نيالا الذي ينافس هذا العام في بطولة الدوري الممتاز بعد صعوده محمولاً على أكتاف نائب دائرة المدينة “أسامة عطا المنان”، وقصص الاختطاف في مدينة نيالا كانت تروع السكان، بيد أنها انحسرت في الشهور الأخيرة بسبب إغلاق قوات الدعم السريع المنافذ التي يتسلل منها الخاطفون لجبل مرة أو ملاذات أخرى آمنة في انتظار دفع الفدية مقابل إطلاق سراح الضحايا الذين يتم اختيارهم بعناية من الأثرياء والتجار.. وبعد أن أغلقت السلطات الأمنية منافذ الخروج من المدينة، أصبحت هناك بيوت داخل نيالا يتم حجز الضحايا فيها كما حدث لرئيس النادي، و(تشليع) السيارات المنهوبة وبيعها في الأسواق.. وبذلك يصبح القضاء على ظاهرة الاختطاف المعلن، كما يقول ” غابرييل غارسيا ماركيز”، تحدياً أمام جهاز المباحث بصفة خاصة.. والسودان بفضل تراكم الخبرات واستقرار مباحث الشرطة يمتلك واحداً من أفضل وأكفأ أجهزة التقصي والبحث عن المجرمين في أفريقيا.. ويواجه الوالي “الفكي” مصاعب كبيرة في القضاء على جذور ثقافة الاختطاف التي تسللت إلى مدينة نيالا من الغرب الأقصى، ويمارسها شباب درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنهم تعلموا هناك نظرياً جرائم الاختطاف التي تروع المدنيين وتزرع الخوف في قلوب المواطنين.. وقد تم تحرير رئيس النادي المختطف من داخل المدينة بعد حجزه في غرفة بمنزل وسط المدينة.
نعم، انتهت الحرب.. لكن هذه ثمارها المُرّة التي يحصدها أهل الإقليم المنكوب.