كيف ساعدت المعارضة في رفع العقوبات الأمريكية؟!
جميع المحاور التي حددتها الإدارة الأمريكية واعتبرتها سبباً لرفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بموجب قرار الرئيس ” أوباما ” الصادر في الثالث عشر من الشهر الجاري، هي محاور (أمنية) في المقام الأول، وإن كانت تتلامس مع العامل السياسي.
(3) من المحاور تتعلق بالخارج، و(2) فقط تتعلقان بالداخل، فأما المحاور الثلاثة الأولى فهي: إنهاء دور السودان في زعزعة استقرار الجنوب، ومكافحة الجماعات الإرهابية، و إنهاء التهديد الذي يشكله جيش الرب. هذا ما قاله بتعبيراته نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ” مارك تونر ” يوم (الجمعة) الماضية، موضحاً أن هذه التطورات الإيجابية من حكومة السودان جرت خلال الستة أشهر الماضية .
المحوران المتعلقان بالداخل هما: وقف شن الهجمات العسكرية في مناطق الحرب، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. وقد أشار المتحدث إلى سماح الحكومة بدخول قوافل إغاثة إلى منطقة ” قولو ” بدارفور، كما أكد أن حكومة السودان اعتمدت لأول مرة المعايير الدولية الخاصة بالمساعدات الإنسانية.
ومن هنا يتضح أن النشاط (الأمني والاستخباري) كان يمثل العنصر الحاسم في قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات مع تجميد الرفع النهائي إلى (يوليو) المقبل لتحقيق المزيد من المكاسب في حوار الطرفين.
غير أن نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أشار في بيانه إلى ضرورة التزام حكومة السودان خلال الفترة المقبلة بما أسماه (تحسين سجل حقوق الإنسان وتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وخلق مساحة أرحب للمشاركة السياسية ومشاركات منظمات المجتمع المدني.. وحرية الإعلام)، مهدداً بأن (الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد لإعادة فرض العقوبات على السودان إذا تراجعت حكومته عن تلك المطلوبات).
ولكن لماذا قررت الإدارة الأمريكية رفع العقوبات في يناير قبل أيام معدودات من مغادرة ” أوباما ” للبيت الأبيض، ولم يحدث ذلك مطلع (نوفمبر) الماضي، موعد تجديد العقوبات السنوي؟!.
عكس ما يعتقد البعض بأن جميع الرسائل الأمريكية تجاه حكومة السودان كانت (إيجابية) خلال الأشهر الماضية، فإنها لم تكن جميعاً كذلك، وأذكركم بتصريحات المتحدثين باسم الخارجية تعليقاً على دعوات العصيان المدني في (نوفمبر) و(ديسمبر)، وفيها دعوا حكومة السودان إلى فتح المجال للمعارضين للتعبير السلمي وتنظيم الاعتصامات والتظاهرات، وكيف ردت حكومتنا بعنف على ذلك.
أظن أن أمريكا كانت تنتظر نتائج تلك الاعتصامات، لأنه من غير المناسب أن ترفع العقوبات المستمرة لعشرين عاماً عن نظام قد يسقط خلال أيام، كما روَّجت لهذا وسائط المعارضة الإلكترونية!!.
انتظرت ” واشنطن ” النتيجة، ولما تبيَّن لها أن هذا النظام (قاعد)، وأن المعارضة ضعيفة، فضلت أن تمضي قدماً في صفقاتها (الاستخبارية).. وهي الأهم بالنسبة لها، خاصة وأنها وفق المتحدث باسم الخارجية وصفت السودان بأنه أصبح (شريك أساسي ومهم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام).
المعارضة ساعدت في رفع العقوبات من حيث لا تدري، وهنا تكمن أهمية الفعل السياسي المسنود بجماهير، لا الدعاية السياسية الرائجة في الأسافير.