بلد المفارقات .. و العجائب !!
لا أدري علي أي أسس تحدد أسعار الأراضي و العقارات في مدن ولاية الخرطوم ، بحيث أنها تفوق أسعار الأراضي و العقارات في بعض نواحي ” لندن ” و ” برلين ” و ” لوس أنجلوس ” .. دعك من ” القاهرة ” و ” إسكندرية ” و ” الدار البيضاء ” !!
قبل أيام أرسل لي مشرف باب العقارات بصحيفتنا و كالعادة ، صورا لفيلا من طابقين في حي ” كافوري ” بالخرطوم بحري ، للنشر ضمن قائمة من المعروضات ، و عندما سألته عبر ” الواتساب ” مستطلعا عن سعرها ، رد علي بأن صاحبها يطلب (650) ألف دولار .. !! لا ادري لماذا صارت موضة .. أن يطلب أصحاب العقارات في الخرطوم القيمة بالدولار ، خاصة في أحياء الدرجة (الأولى) ، و لا أقول الأحياء (الراقية) ، حيث لا رقي مع ( الكوش) و مياه الصرف الصحي الطافحة حولها ، و أسراب الذباب و البعوض التي تحرس أجواءها !!
أحد الإعلاميين العرب كان يعمل مديرا لقناة فضائية شهيرة ، نال ( مليونين و نصف المليون دولار ) مستحقات نهاية خدمته بالقناة ، فاشترى فيلا فاخرة على ساحل ” كاليفورنيا ” بمليون و نصف مليون دولار ، و وضع بقية المبلغ وديعة بأحد البنوك !
تخيلوا أن البعض عندنا في أحياء مثل ” غاردن سيتي ” ، ” الرياض ” و ” الطائف ” يطلب مليون و مليونين و ثلاثة ملايين (دولار) على بيوت تطل على القبح كله ، لا على ساحل المحيط الهادي ، و لا على حديقة ” هايد بارك ” في ” لندن ” ، و لا حتى على كورنيش النيل في ” الزمالك ” و ” الدقي ” و ” العجوزة ” بالقاهرة ، أو على ” جميرا بيتش ” أو ” جزيرة النخلة ” في ” دبي ” !!
مليون ونصف مليون دولار ثمن فيلا في كاليفورنيا ، و هي أيضا ثمن بيت من ثلاثة طوابق في رياض الخرطوم .. معقولة بس !!
ما هذه المفارقات العجيبة !!
و ما يحدث في سوق العقارات في بلادنا ، يحدث في سوق الخضار و اللحوم .. و الزيوت .. و الأثاثات ..و الحديد و أدوات الكهرباء و السباكة .. وفي كل سوق سوداني .
المقاول الذي يبني بيتا من طابقين أو ثلاثة و هو بعد في أول المشوار بعد التخرج ، لا يقبل بعشرين او خمسين الف جنيه فائدة ، لا .. فهو يريد ثلاثمائة و أربعمائة ألف بل أكثر !!
ثقافتنا صارت هي الكسب السريع .. الثراء العابر للمحطات .. بكافة الطرق الملتوية ، سواء كان عبر عطاءات حكومية غير مستحقة لشركات وهمية تأتي بشركات مقتدرة كمقاول من الباطن ، أو بتجارة السلاح و المخدرات و حبوب ” الترامدول ” و مثيلاتها ، و ما قصص الحاويات المضبوطة في ميناء بورتسودان أو (غير) المضبوطة ، المحشوة بملايين الأقراص المخدرة ، إلا فصل من فصول (الإنقلاب) القيمي و الأخلاقي الذي يحكمنا الآن .
كل الأشياء في بلادنا لم يعد يحكمها منطق .. لا أسعار الأراضي .. و لا أسعار لعيبة الكورة .. و لا كثرة الأحزاب الوهمية ، و لا الثراء الفاحش الذي هبط فجأة على صغار الموظفين و الساسة !!