الأمير "بركة" هل يحرر شهادة وفاة التمرد صامتاً ؟
قصة نهاية تمرد عصي
أبو كيعان آخر المتمردين الموقعين على دفتر الحضور بالفولة
الفولة – يوسف عبد المنان
أنهى “محمد فضل الله” (43) سنة، المشهور بـ”أبو كيعان” آخر فصول التمرد في غرب كردفان، ووضع الرجل الذي نفذ أكثر من (20) عملية عسكرية، على طريق الأبيض الفولة، وخاض معارك شهيرة من غزو أم درمان ضمن قوات “خليل” إلى الهجوم على الدلنج وقطع طريق الأبيض الدلنج والخروج من أبو زبد التي قتل فيها قائده المباشر “فضيل” على أيدي قوات الدعم السريع بقيادة العميد حينذاك “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، وأثار “أبو كيعان” بمغامراته غير المحسوبة وجرأته في القتال، حد وصفه، بالتهور والهلع والخوف وسط المواطنين، خاصة السيارات العابرة من الأبيض إلى الفولة التي استقبلت “أبو كيعان” ظهر (الثلاثاء) بعد محادثات طويلة جرت بين قيادة الولاية الغنية بالنفط غرب كردفان وأميرها “أبو القاسم الأمين بركة” والمتمرد “فضل الله أبو كيعان” لأكثر من ستة أشهر، وتقطع خيط الوصل وتوهن وتضعف، ولكن إرادة السلام كانت غالبة ورغبة الحكومة الولائية في المضي قدماً باتجاه (لملمة) شمل الولاية وتوحيد صفها بعد تمزق واحتراب وصراعات، وجعل الصبر على التفاوض والصبر على (الخيانة) وعلى التحريض الداخلي دافعاً لإنهاء التمرد الذي غشي الولاية أو منطقة ديار المسيرية بعد 2005م، حيث كانت نتائج مفاوضات نيفاشا لإنهاء الحرب في الجنوب سبباً كافياً لإشعال الحرب في الشمال، وخاصة وسط أبناء المسيرية والحوازمة وحتى قبيلة حمر التي تمرد منها “محمد أحمد ود البلبل” الذي قتل في معركة قوز دنقو، وانتهت بذلك فصول التمرد في رمال شمال النهود.
{ جذور التمرد
بدأ التمرد في منطقة المسيرية من خلال مرحلتين، الأولى قبل توقيع اتفاقية السلام، وذلك احتجاجاً على الممارسات الحكومية في توزيع تعويضات البترول والتنافس المحلي بين قيادات المنطقة، إضافة إلى تصدع الحركة الإسلامية الذي زاد من محن البلاد وشقائها.. وبدأت التمردات في منطقة غرب كردفان بالهجوم على الموظفين العاملين في شركات النفط.. واختطاف الأجانب ونهب السيارات، وأكبر الجماعات التي كانت تمارس تلك السلوكيات بقيادة المرحوم “النذير عثمان” الذي حرق (14) جراراً، في حقول النفط.. وزاد وفاقم من الاحتجاجات في المنطقة توقيع اتفاقية السلام الشامل وتذويب الحكومة لولاية غرب كردفان السابقة وتقسيم دمها بين كادقلي والأبيض، الشيء الذي اعتبره المسيرية، خاصة (مكافأة) ثقيلة الوطء عليهم.. وجزاء (سنمار) وخاصة اتفاقية السلام، قد وضعت منطقة أبيي في حيز المساومة وأصبح متمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان ضباطاً في الجيش والقوات المشتركة وقادتهم سياسيين ووزراء في القصور، وأصبحوا هم بلا ولاية ولا سلطة.. وأخذ قادة ومنسوبي الدفاع الشعبي ينضمون للتمرد الذي غازلهم بالمناصب والمواقع من أجل استخدامهم في معركة قادمة أو مؤجلة مع السودان.. كما حدث في هجليج التي احترقت ببنادق بعض أبناء المسيرية وتم تحريرها ببنادق المسيرية الذين يشعرون إن ثمانية عشر ألف من الشهداء قدمتهم المنطقة من أجل السودان ووحدته، لم يجدوا التقدير الذي يستحقونه، وإلا أن العلاقة الحميمة بين المسيرية والرئيس “البشير” الذي وقف سداً منيعاً دون (بيع أبيي) في سوق النخاسة والمساومات بين الشمال والجنوب، قد حفظ للمنطقة وجودها.. وأوفى الرئيس بوعده الانتخابي وأعاد المنطقة ولاية بكامل الصلاحيات.. أولى حركات التمرد في غرب كردفان قادها “موسى علي حمدين” الذي قتل في تخوم جنوب السودان، وكان “موسى علي حمدين” من أوائل الإسلاميين، ثم تمرد “محمد عبد الرحمن الرزيقي” ضابط الصف السابق بجهاز الأمن والمخابرات، ثم لحق بهؤلاء “فضيل” و”عز الدين قادم” والمقدم “فضل أبو كلام” واللواء “حسن حامد أشرسي” المقاتلين في معارك أويل ونهر الجور وواو والرقبة الزرقاء.. وحتى في العام قبل الماضي اختار اللواء “بندر أبو البلول” التمرد بعد خلافات عميقة مع الوالي الأسبق اللواء “أحمد خميس” الذي في عهده اشتعلت المنطقة بالصراعات القبلية والتمردات والنهب وطغت الفوضى على الطمأنينة والسلام، ولكن جميع هؤلاء القادة تم التوصل لاتفاقيات معهم في عهد حكومة الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” ولجنة أمن الولاية التي تعمل بتناغم وتنسيق دقيق، الشرطة في حدود إمكانياتها وصلاحياتها والقوات المسلحة في التصدي للتمرد وجهاز الأمن والمخابرات الذي لعب دوراً كبيراً في التفاوض مع حاملي السلاح.
{ قصة نهاية التمرد
جاء اختيار الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” الوالي الحالي، مفاجئاً لكثير من أبناء المنطقة لصغر سنه وتجربته التي لم تتجاوز الأعباء التنظيمية الخاصة في الحزب والحركة الإسلامية.. ومن ثم محيط ولاية غرب دارفور التي ظل يمثل فيها رقماً كبيراً لا يتفق وسنوات عمره.. وغداة وصوله الفولة كانت الولاية تكاد تحترق من الصراع القبلي والتمرد والفوضى والانقسامات الحادة والصراعات والفساد المالي في عطاءات التنمية وتبديد عائدات البترول في شراء ذمم الناس لأغراض استمالتهم سياسياً وتسمم المناخ العام، إضافة إلى فوضى (المواتر)، أي الدراجات الهوائية والنهب للبنوك وسيارات الدولة واستهداف حقول إنتاج البترول.. ولكن لم تمض حتى بدأت نجاحات الوالي الجديد “أبو القاسم الأمين بركة” في كل الملفات، إلا أننا في هذه المساحة معنيين بالملف الأمني والعسكري والمفاوضات التي أثمرت عن توقيع سبع اتفاقيات وهي:
{ اتفاقية مع “محمد بحر حمدين” الذي يمثل حركة شهامة، وقد عاد الآن وانضم للحوار الوطني.
{ اتفاق مع مجموعة “النذير عثمان” رئيس حركة شباب غرب كردفان التي كانت تخطف مهندسي البترول حتى بلغ عدد الجرارات التي تم حرقها (14) جراراً.
{ اتفاق مع اللواء “حسن حامد” رئيس قطاع كردفان لحركة العدل والمساواة.
{ اتفاق مع “عز الدين قادم” من المسيرية الزرق حركة تحرير السودان.
{ اتفاق مع المقدم “فضل أبو كلام” من حركة العدل والمساواة.
{ اتفاق مع اللواء “بندر أبو البلولة” المقاتل الذي كان بمثابة الساعد الأيمن للشهيد “إبراهيم شمس الدين” في عمليات صيف العبور، وأخيراً عودة واتفاق “فضل الله أبو كيعان” الذي ينتمي إلى قبيلة الحوازمة دار بخوته في منطقة الفرشاية التابعة لمحلية القوز.. ولكنه ترك الدراسة في الجامعة وانضم إلى حركة العدل والمساواة بقيادة د.”خليل إبراهيم”.. قاد ميدانياً القوات التي وصلت حتى كبري الفتيحاب الجديد.. وحينما دحرت القوات “خليل” وهزمت. تم إلقاء القبض عليه مع “محمد بحر حمدين” و”محمد عبد الرحمن الرزيقي” وكان يمكن إعدامهم جميعاً، إلا أن العفو الرئاسي للرئيس “البشير” بعد توقيع إعلان حسن النوايا في الدوحة، قد أنقذ هؤلاء على الأقل من السجن الذي بقى فيه آخرين حتى اليوم، وكل الذين حصلوا على العفو عادوا مجدداً للتمرد ومنهم “فضل الله أبو كيعان” الذي أخلى طرفه من العدل والمساواة التي ضعفت بعد مقتل د.”خليل” وتصدعت وذهب إلى جبال النوبة الغربية ضمن قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال، ونشط في تنفيذ عمليات نوعية خاصة على طريق الأبيض الفولة.. وهاجم من قبل الكسارة ومعه الضابط الإداري يعقوب” الذي عاد قبل عام ونصف مع جهود الوالي “أبو القاسم الأمين بركة” الذي حرر شهادة وفاة التمرد في كل منطقة غرب كردفان، وبعودة “أبو كيعان” تستقر الأوضاع في الولايتين أو الشريط الرملي. ويقول الأمير “محمد حمدية أبشر” أحد أهم قيادات النظام الأهلي : إن “أبو كيعان” أصوله من جنوب كردفان الحوازمة، لكنه كان يشكِّل خطراً في المنطقة من الدلنج وحتى الدبيبات، ويتحرك في كل محلية السنوط ولقاوة بالهجوم المباغت، وهو متورط في قتل أحد شباب المسيرية الزرق (راعي).. لكن فضيلة العفو والصفح تشمله.. وعاد برفقة القائد “أبو كيعان” (24) من المتمردين. ستة عشر منهم حوازمة من مختلف بطون القبيلة وأربعة من الرزيقات ومسيري واحد ونوبة وداجو.. ووصلت قوات “أبو كيعان” إلى الفولة بعدد (4) عربات لاندكروزر عليها (4) مدافع، دوشكا ومدفعين أربجي ومدفع “هاون” وثلاثة مدافع قرنوف.. وكميات كبيرة من الذخيرة، وبعد وصول المتمرد “أبو كيعان” التقى الوالي “بركة” لأول مرة، رغم أن الاتصالات الشخصية بينه والوالي كانت هي الدافع لعودة آخر تمرد في ديار المسيرية، يضع البندقية ويقول: وداعاً للسلاح.