أخبار

خربشات (الجمعة)

*لم تتبقَّ إلا ساعات وينصرف عام 2016 ويطل علينا عام جديد على الإنسانية والعالم والوطن والأسر  والذات الفانية تتناقص سنوات وأيام العمر .. والإنسان يفرح بالقادم الجديد ويفيض تفاؤله على الصعيد الذاتي والعام .. ولكن لا يدري الإنسان ما يخبئه العام الجديد .. من أحزان وأحداث قد لا يبلغ  الإنسان إلا شهوراً وينصرف عن الدنيا أو ساعات، لكن يبقى كادحاً في سبيل لقمة العيش له ولمن هم في ذمته من الأبناء والزوجات ..انصرف عام 2016 الذي مر على بلادنا حزيناً وقاتماً ..تدحرجت فيه البلاد إلى الوراء سنوات والعام من حولنا يتقدم وضاقت سبل كسب العيش وطحن الفقر الشعب المسكين، وبات الحصول على قطعة الخبز الحافي بطولة في حد ذاتها، سكنت الحروب جسد الوطن وتفرق ساسته غير مبالين بالأرواح التي تذهب من أجل أن يجلسوا هم على كراسي الحكم في قادم الأيام والمواعيد، أو يبقوا في نعيم السلطة التي من أجلها خسرت بلادنا أعز شبابها وضاعت أجيال في متاهات الانتظار والبحث عن لقمة العيش، يركبون الصعاب بحراً وجواً وأرضاً لأوطان بديلة بعد أن استحال على شبابنا الحصول على وظيفة في الوطن وفرصة بناء مستقبل.
(2)
في العام المنصرم غيب الموت علماء أفذاذاً كان لهم الفضل في التغيير الاجتماعي والسياسي والأكاديمي ولا يُذكر الغائبون عن المشهد وإلا وكان د.”الترابي” في المقدمة، مات في مكتبه يقرأ ويكتب ويفكر في مستقبل الوطن الذي تمزقت أحشاء أهله .. قبل أن يغادر “الترابي” هذه الدنيا سعى كادحاً لوحدة السودانيين وتنازل عن كل شيء إلا كرامته وعنفوانه وقيمه وأخلاقه ودينه في سبيل وحدة ما تبقى من السودان، بعد أن ذهب الجنوب إلى سبيله بأخطاء كان “الترابي” نفسه شريكاً فيها .. وبموت “الترابي” وغيابه بجسده عن الساحة فقدت البلاد ركناً من أعمدة البيت ..غادرها “الترابي” وهو يقطن في منزل متواضع بضاحية المنشية شرق الخرطوم في الوقت الذي تطاول تلاميذه في البنيان وامتطوا الفارهات وفاضت أرصدتهم بالدولار واليورو وكل عملات الدنيا. وكان “الترابي” في زهده وتقشفه صارما في ارائه عالما في الفقه والقانون ومفكرا ودعته الملايين إلى مقابر بري حيث زرف أهل السودان الدموع على مفكر اختلفوا حوله حياً واتفقوا على علمه وزهده وشجاعته ميتاً، لم يدفع سياسي سوداني ثمن مواقفه المبدئية مثلما دفع “الترابي” الذي سجن وعذب وانتاشت لحمه القريب والبعيد وتنكر لفضله الذين أطعمهم من جوع وآواهم من تشرد وعلمهم حتى كيف تحذق ربطات العنق في الأسفار بلاد الإفرنج، وحينما كبرت مواقعهم انفضوا عنه كما تنفض الطيور من حوض الماء الجاف. في عام رحيل “الترابي” ودعت الإنسانية والجامعات والشعب السوداني البروفيسور “التجاني حسن الأمين” عالم الأدوية والأستاذ الذي جلس على كرسي كلية الطب البيطري سنوات عديدة، وحينما دفع به سياسياً للمناصب التنفيذية رفض أن يبيع مبادءه ويخون أخلاقه وقيمه ويكذب على الناس، وقد عاش رأسماله الصدق ورصيده في البنك النزاهة وقيم الفضيلة والتربية. لم يمكث طويلاً في منصب الوالي ليعود لطلابه في جامعة الخرطوم وإلى حلقات الدروس في المساجد وبرامج التوعية والتغيير الاجتماعي، يرحل أبو عزيز ويتركنا في دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهاليها سادتها الفقراء كما يقول “الفيتوري “. وبرحيل د. “التجاني حسن” فقدت البلاد عالماً مجدداً ومثقفاً موسوعياً واختارت الأقدار أن يقبر د. “التجاني حسن الأمين” بالقرب من “الترابي”، ولم تمضِ أيام وشهور حتى جاء الجار الثالث د.”عبد الله حسن أحمد” مسرع الخطى. والراحلون الثلاثة من أعمدة التيار الإسلامي في السودان و”الترابي” من مدرسة التجديد ود.”التجاني حسن” من تأملات الطبيعة والإنسان وعلاقة العلم الحديث بالقرآن الكريم، و”عبد الله حسن أحمد” من مدرسة الاقتصاد الإسلامي وكلهم من النجوم التي توارت في العام المنصرم.
(3)
انعقد في العام الذي رحل مؤتمر الحوار الوطني الذي كان السودانيون ينتظرون ثمراته اتفاقاً قومياً يضع أسساً وقواعد لأدب الصراع بين الفرقاء، وتصمت أصوات البنادق وتخرس المدافع وينام الراعي في الخلاء لا يخشى إلا البرد والحر وبوقف الحرب تنهض البلاد من كبوتها وتفيض ميزانية الدولة عن حاجة إنسان البلاد وتزدهر الفنون والآداب وتنال الصحافة السودانية حريتها، وقبل كل ذلك يصبح السوداني مكرماً في وطنه وليس مقهوراً بالفقر والحرب وحتى الآن تلوح في الأفق من حين لآخر آمال  بأن الحوار الوطني يمكن أن يحقق تلك الآمال، إذا ما تم إنقاذه من (المتربصين) به في داخل النظام وخارجه. وخيبة الأمل التي يشعر بها البعض الآن قد تصبح في القريب العاجل  شعوراً بالزهو والفرح إن حقق الحوار الوطني بعضاً من الآمال التي علقت على عنق السياسيين في هذا الوطن، بوقف الحرب وحسن الجوار مع الآخرين والقريب قبل البعيد.
وفي العام المنصرم شهد الربع الأخير منه ما عرف بالاعتصامات السلمية تعبيراً عن رفض من البعض للواقع الاقتصادي وحاولت المعارضة سرقة تلك الاحتجاجات فأفسدتها وهزمتها وأحالت الاحتجاج إلى صراع حول السلطة ورغبات وأماني في إسقاط النظام، ودخلت الحركات المسلحة ساحة الاعتصام فانفض أصحاب القضية الحقيقية وهم الشباب المحتجون على الغلاء والإجراءات الاقتصادية، وقد تراجعت الحكومة عن رفع الدعم عن الدواء في خطوة تحسب للرئيس “البشير” الذي كان رءوفاً ورحيماً بالشعب وهو يوجه بإلغاء الزيادات الخرافية في أسعار الدواء، وأعادت قرارات الرئيس بعض الأمل للنفوس بأن هنالك من يشعر بآلام الشعب وهناك من في قلبه نطفة من رحمة.
(4)
عام 2016 هو عام التدحرج أسفل رياضياً حيث تدهورت كرة القدم وخرجت الأندية التي تمثل السودان في البطولات الأفريقية من الأدوار التمهيدية .. سقط الهلال بسبب (تخبط) رئيس النادي واضطراب منهجه في الإدارة وخرج المريخ بسبب الصراع حول كراسي السلطة بين الرئيس الحالي “جمال الوالي” ولجنة التسيير التي غدر بها وزج برئيسها في غياهب الاعتقال،  في مظهر يعبر عن سقوط قيم المروءة. وحقق المريخ صفراً كبيراً في منافسات العام الماضي داخلياً وخارجياً لأول مرة في تاريخه، وحتى نادي الخرطوم الوطني الأكثر استقراراً خرج من البطولة، وكذلك الفريق القومي السوداني الذي تدحرج إلى أسفل بعد أن غشيت جسده العافية قبل أربع سنوات، وشارك في نهائيات الأمم الأفريقية في فترة السلام والاستقرار والرخاء الاقتصادي، ولكن الآن أصبح المنتخب السوداني من أضعف منتخبات القارة الأفريقية وحتى منتخبات الناشئين والشباب التي كانت تمثل الأمل المنشود والمستقبل القادم خرجت العام الماضي من الأدوار التمهيدية ولم تحقق أي بطولات. ولأننا أصبحنا متلقين للهزائم كان انتصار مدرسة ابتدائية على مدرسة في قطر سبباً لفرح غامر تمدد من زالنجي إلى بور تسودان، وضاعف من أحزان الرياضيين في السودان الصراعات التي تنشب بين الاتحاد الرياضي والأندية والفشل في تنظيم البطولات والتصدع الكبير في البيت الرياضي.
(5)
يطل عام 2017م والأمل والرجاء في تغيير الواقع الراهن واستقرار الوطن سياسياً ونهاية الصراع على السلطة بالبندقية والتراضي على صندوق الانتخابات، ليفوز من يختاره الشعب بإرادته الحرة وتصبح بلادنا ضمن منظومة الدول الديمقراطية في أفريقيا، وأن يزدهر الاقتصاد ويجد كل تلميذ مقعداً في المدرسة وجرعة دواء مجانية في المستشفى، وقبل كل ذلك أن ينال المواطن حريته في التعبير .. يقول لا للحكام دون أن يضربه الشرطي بكرباج على ظهره وتصبح الصحافة رقيباً على الأداء التنفيذي، حتى لا تأكل القطط (السمان) طعام الأطفال ونغني في العام الجديد لوطنا الذي نحلم ببنائه وازدهاره ورفعته وكل عام والجميع بخير.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية