حوامة في نص الخرطوم!!
النجانى حاج موسى
عصر يوم (الاثنين) يوم الاعتصام المعلن كنت أجوب شوارع الخرطوم راجلاً.. عربيتي العجوز عطلانة.. أعاين في وجوه الناس، بعضهم يلقي علي التحية، كنت مستمتعاً بالمشي وتفرس وجوه الشباب.. أحدهم سألني ضاحكاً.. يا أستاذ إنت معانا ولا معاهم؟! سألته (انتو منو؟!) أجابني ضاحكاً بالله!! نحن منو؟! وواصل، طيب أنت معتصم؟! قلت له أنا “التجاني” ما “معتصم”.. وأظن الشاب يقصد العصيان المدني.. الشارع لم يكن مزدحماً كالعادة إذ أن ناحية الجامع الكبير عادة ما تكون زحمة.. امرأة كبيرة في السن كانت تتوضأ وتجلس على كرتونة كبيرة أظنها هي لحافها وكانت تحتفظ بربطة ملابس وخرقة، أدرت بصري للناحية الأخرى حينما وقع بصرها ناحية بصري، نظرتها كانت حانية، ترى كم امرأة في سنها هائمة في أرصفة المدن؟! وتلك مكتبة مفروشة على الأرض تضم كُتباً وعناوين مختلفة، ألقيت التحية على صاحبها، فرد تحيتي بأحسن مقرونة بيا أستاذ، اتفضل فجلست بالقرب منه، بي كم ديوان “بيرم التونسي”؟! شيلوا هدية يا أستاذ!! يا الله!! هكذا دأبكم يا أهل بلادي!! وعزمني قهوة وجاب لي موية صحة وأهديته نسخاً من ديواني وطلب مني كتابة إهداء بخط يدي وقال (ممكن أتصور معاك يا أستاذ؟! واتصورت معاهو صورة تذكارية.. وأنا أسير اعترض طريقي شاب كفيف ممسكاً بعصاه البيضاء متأسف العتبى على النظر!! أنا المتأسف يا شاب.. أنت الأستاذ “التجاني” أيوه.. يا سلام دي أجمل مصادفة، قال الكلمة الصحيحة ولم يقل “صدفة.. قلت له هذه الملاحظة.. قال لي إنه تخرج في كلية القرآن الكريم.. قلت له: تأمرني بي شيء؟! قال لي رقم هاتفك، لأني معجب بيك!! طبعاً أنحنا ما بنشوف لكن بنسمع كويس من صوتك!! فذهب يطرق الطريق بعصاه ونزلت من عيني دمعة.. ودواخلي تمور بمشاعر حزن ممزوج بي فرح!! ووقع بصري على سيدة أربعينية العمر ممتلئة الجسم.. حدقت في وجهي.. أعرفها تلك النظرة، ده الزول البجي في التلفزيون!! ابتسمت لها قائلاً: أيوه يا هو!! صافحتني وذهبت.. قلت في نفسي.. ليتني طلبت أن ترتدي ثوباً فجسمها قد يسبب لها مشاكل مع بعض سفهاء الأسواق!! بعدين يا أخوانا، شنو حكاية ملابس النساء المحزقة وموضة التخلي عن الثوب والبعد عن الحشمة!! من شارع الحرية لـ(المجهر) مشيت مشوار رائع تصبب عرقي وكنت سعيداً.. وحمدت أن عربتي العتيقة في الصيانة.. أدركني العصر وجدت مصلين أقاموا الصلاة بالقرب من ست شاي تصنع لقيمات من شكلها تبدو شهية، بعد الصلاة، سلموا علي الشباب وعزموني شاي لبن وصحن لقيمات، وصدق حدسي، فقد كانت شهية والشاي مقنن!!
والمدهش أن صاحبة المقهى قالت “حساب الأستاذ علي”!! وبرضوا تقول لي شنوا، تقولي لي منوا!؟ وصدق الراحل أستاذنا “إسماعيل حسن ود حد الزين” حين قال: لو ما جيت من ذي ديل وا أسفاي وا ذلي!! وأصدقكم القول إن ما يمنحني له الناس عموم الناس لا يقدر بثمن ومشاعرهم صادقة لا لبس فيها ولا غموض ولا ترتبط بمصلحة مادية، لذا أنا ملياردير غني بمحبتهم.. والذي يسعدني أكثر أن فئة قليلة لا تحبني.. على كيفم والله يعافيهم!!
في تلك الجولة علمت ليه ما استجاب أهل السودان للتحريض بالعصيان والانقلاب على الحكومة وهم (ناقشين) لأي شيء من ترد اقتصادي والحاجة الماسة لإصلاح حال البلد – بس – بي رؤية وتفويت فرص بعض مناضلي الوكالة الذين اتخذوا من دعاواهم تلك أكل عيش، ويا لها من صفة لا أصفها إلا بخيانة أنفسهم وجريمة في حق الوطن، وإهانة المواطنة كما أي زول وليناهو أمرنا وخان عهد الأمانة محاسبته ضرورة واجبة، والشال جنيه من قروش الوطن ما مننا وما نتشفع ليهو.
وقديماً جرى مثل سوداني فيهو حكمة (دق القراف خلي الجمل يخاف) وأولادنا الصغار نخلي بالنا منهم لأنو فعلاً في غزو ثقافي سالب وفي طمس لإرثنا وموروثاتنا.. نحن أبناء ملوك في الزمان!! ونحن من نفرٍ عمروا الأرض حيثما قطنوا، وأنا قلت.. نيلك أرضك زرعك، ناسك، أصلك، فرعك، بحبك من ما قمت، بحبك يا سودان، الله قادر يصلح حالنا إذا بدينا نصلح حالنا.. ما ياهو؟!