رأي

بعد.. ومسافة

الكشف عن ملامح المرحلة السياسية الجديدة
مصطفى أبو العزائم
 التعديلات الدستورية التي يجري العمل على إجازتها وفقاً لنتائج ومخرجات الحوار الوطني، هي التي أخذت منذ الآن في تحديد ملامح المرحلة السياسية القادمة الجديدة، وهي مرحلة ما بعد اتفاقية السلام الشامل، التي سبقتها مرحلة المفاصلة التي كرست السلطات في يد القصر بعد أن كانت تنازعه عليها أيادي المنشية، وكان ذلك أول تحول دراماتيكي يشهده نظام الإنقاذ، حيث تمت الإطاحة بعرَّاب النظام الراحل الشيخ الدكتور “حسن عبد الله الترابي” ومن دار في فلكه، لكن المرحلة التالية لم تكن سهلة، بل واجه الرئيس “البشير” تحديات داخلية قاسية، جعلت باطن الحزب يفور، وأراد البعض أن يشكِّل مراكز قوة وضغط داخل الحزب، لكن ذلك كان أمراً صعباً، بل في غاية الصعوبة، إذ أن كل أعين النظام كانت مفتوحة في كل الاتجاهات، وكل الأيدي تمسك بالزناد منعاً لأي انفراط أمني يقود إلى فوضى عارمة.
خصوم النظام لم يتركوه في حاله، تأسست لديهم قناعة بأن الضرب من الداخل لن يجدي، خاصة بعد أن حدثت اختراقات ظاهرة في اتجاه محادثات السلام، بدءاً من “مشاكوس” وانتهاءً بـ”نيفاشا”، لذلك كان الاتجاه إلى تفعيل المقاومة المسلحة للنظام من خلال حركات التمرد، لأنه ومع تباشير التوقيع على اتفاقية السلام في 2005م، سبقها إطلاق الرصاصة الأولى في عام 2003م، لتعلن ميلاد حركة تمرد جديدة وقوية في دارفور، قبل أن تنقسم لاحقاً وتتشظى لتصبح حركات وحركات.
سلام السودان الشامل لم يكن شاملاً، فأحد الأطراف أراد أن يأخذ كل شيء في إقليمه (الحركة الشعبية) ويقاسم الطرف الثاني في كل شيء بالشمال، ومع ذلك تم اختطاف جنوب السودان، وكان هناك قصور في النظر السياسي، ففي الوقت الذي ارتفعت مؤشرات الإنذار من عدم قدرة جنوب السودان على الوقوف دولة مستقلة قائمة لذاتها في محيط إقليمي مضطرب، إلا أن هوى السلطة وخمرها أسكر قادة الانفصال فقادوا إلى النتيجة التي يريدون ولم يتحسبوا للفشل الذي جعل الدولة الوليدة أنموذجاً للفشل ومثالاً للصراعات من أجل السلطة والاقتتال عليها ليدفع المواطن المسكين حياته ثمناً لتلك الأطماع.
حتى بعد انفصال الجنوب لم يترك خصوم السودان البلاد في حالها وزادوها رهقاً ما تعاني من ويلات التمرد والتشرد والنزوح، ومارسوا عليها ضغوطا لا تحتمل مع آثار الحصار الاقتصادي المضروب عليها منذ إعلان المقاطعة الأمريكية.. ومع ذلك صمدت الخرطوم ولا زالت، وكان خصومها يعجبون من هذا الأمر، لأنهم كانوا يتوقعون الانهيار ما بين غمضة عين وانتباهتها، لكن الذي لم يعرفه أولئك الخصوم هو أن النظام في الخرطوم، كان يتقمص شخصية الخصم اللدود، ويفكر بطريقته، ويفترض أسوأ الاحتمالات، لذلك كان ينجو من الفخ ليقع فيه من أعده.
بعد إجازة التعديلات الدستورية الأخيرة تبدأ مرحلة سياسية جديدة في التشكل، لكن خصوم البلاد لا يريدون لها أن تبدأ لأنها مرحلة ستعلي من قيم الحرية والديمقراطية والعدل وسيادة القانون، وهذا الأمر سيقوي نظام الحكم في السودان ويجعله أكثر تماسكاً، بينما يضعف محاربيه وينزع أسلحتهم قطعة وراء قطعة، لذلك نتوقع أن يقوم خصوم السودان بمغامرة جديدة، مغامرة لا تخطر على بال، بعد أن فشل مخطط إسقاط النظام عن طريق الإضراب السياسي أو ما يعرف بالعصيان المدني، لا نعرف ما الذي سوف يحدث، لكن ملامح المرحلة السياسية الجديدة ستكون واضحة، وتطرح على العلن ظهر اليوم (الخميس) من داخل قاعة الشهيد “الزبير” للمؤتمرات بالخرطوم، يعلنها السيد مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني  المهندس “إبراهيم محمود حامد” فالتعديلات الدستورية ليست هي كل شيء، بل هي بداية تطبيق مخرجات الحوار الوطني والتي تم التداول حولها منذ بداية إعلان الوثبة لمدة ثلاثة أعوام.. لكن المؤكد أننا سنعيش مرحلة سياسية جديدة خلال أيام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية