" أيلا ".. بدون (حصانة)!
ينبغي الفصل بين ما قاله السيد رئيس الجمهورية المشير ” عمر البشير ” من تقريظ وإشادة في حق والي الجزيرة ” محمد طاهر أيلا “، والحق الدستوري والسياسي لمجلس تشريعي ولاية الجزيرة في مراقبة أداء ومحاسبة أعضاء حكومة الولاية.
ولهذا يبدو غريباً.. بل عجيباً أن يحرِّض بعض الكتاب الذين ينادون بتفكيك دولة الحزب الواحد ويهاجمون الحركة الإسلامية، ويطالبون بحكم الشفافية والقانون ومحاربة الفساد، يحرِّضون السيد رئيس الجمهورية على المجلس التشريعي لولاية الجزيرة فقط لأنه أسقط خطاب الوالي رغم إشادات الرئيس!!.
يا سبحان الله.. تريدون أن يكون مجلس تشريعي الجزيرة جوقة من (الكومبارس) والمطبلاتية والهتيفة الذين كل وظيفتهم أن يصفقوا للوالي ويسبحوا بحمده؟!
يحدث هذا في ولايات أخرى، ولكنه لا يحدث في جزيرة الاستنارة والعزة والوعي السياسي القديم المتجدد.. جزيرة الوحدة الوطنية حيث لا قبائل ولا بطون قبائل، لا عمدة .. ولا (ناظر عموم)، لا (تكتلات عرب) ولا (لوبيات رطانة)، ولا ولاءات جهوية وقبلية وعنصرية كما يفعل أبناء جهات أخرى في السودان حتى للمقيمين من عقود في الخرطوم !!
ودائماً أقول .. إن ” الجزيرة ” و” أم درمان” يمثلان مركزا التمازج الإثني والثقافي والوعي السياسي المتقدم .. ولهذا تجد في دمائنا جينات ” المحس ” و ” الجعليين ” و ” الكواهلة ” و دماء أشراف العرب، ولكننا نظل نتحرك بهذا الهجين في فضاء السودان الفسيح سياسياً واجتماعياً دون حاجة إلى إسناد (ناظر عموم) أو تكتل جهوي قبيح .. وهكذا كل مواطني الجزيرة .. كل سكان أم درمان .. لا يعرف ” التعايشي ” و ” المسيري ” و ” البديري ” و ” الشايقي ” المولود في ” أم درمان ” نظار قبائلهم ولا ولاء لهم لقبيلة، بل لمدينتهم وللوطن الكبير، هكذا قمنا وتربينا.. وكان المفروض أن يستمر هذا التلاقح الإيجابي لينداح هذا النموذج الرائع للنسيج الاجتماعي في كل مدن و فرقان وبوادي بلادنا الحبيبة .. لنكون سودانيين وكفى .. سودانيين .. بعيداً عن الدعاوى المنتنة والانتماءات الخراب .
أعود .. وأقول إن كل وطني مدرك للمسؤولية السياسية و الدستورية يتحتم عليه أن يدعم (حق) المجلس التشريعي في ولاية الجزيرة .. ولاية الوعي والاستنارة في أن يسقط خطاب الوالي وخطاب أي والٍ، دون تدخل أو وصاية من المركز .
وإنه لمن العيب، بل من العار السياسي أن يحتمي الوالي – أي والٍ – بالمركز لتصفية حساباته مع المؤسسات الدستورية في ولايته، وإنه ليس من العدالة ولا اللياقة السياسية أن تناصر ” الخرطوم ” الدكتور ” أيلا ” في تصفياته، فلتناصره في مشروعاته الخدمية والتنموية، ولكن إنجازاته لا تمنحه (الحصانة) المطلقة في أن يكون (ديكتاتوراً صغيراً) في ولاية المستنيرين والمزارعين ..المثقفين والفنانين .. الولاية التي أطعمت السودان عقوداً طويلة وكسته .. الولاية التي علَّمت و وظَّفت .. الولاية التي أنجبت لكل السودان ” علي المساح ” و عبقرية الفن السوداني على الإطلاق ” إبراهيم الكاشف ” .. و أنجبت ” محمد الأمين ” و ” أبوعركي ” وعلامة الفن التشكيلي ” راشد دياب ” ونجوم ومدربي كرة القدم من لدن المرحوم ” سيد سليم ” وإلى أصغر لاعب في الهلال والمريخ في مواسم مختلفة، هي الولاية التي تعلم فيها في حضن ” حنتوب الجميلة ” غالب حكام السودان وصفوته السياسية والفكرية من ” نميري” و ” الترابي ” و ” محمد إبراهيم نقد ” وامتداداً لمئات الوزراء والسفراء والدكاترة .
هي ولاية مشروع الجزيرة الذي دمره الفاشلون المتآمرون و باعوا سككه الحديدية ومحالجه .. ومخازنه وشردوا مهندسيه و عماله وخبراته، لأن لوبي (القبيلة) لم يكن حاضراً في معادلات (اللعبة) داخل دسك قيادة (الإنقاذ) على مدى (27) عاماً، طويلة!!.
يجب أن يستوعب ” محمد طاهر أيلا ” أن الجزيرة شيء آخر..
نحن مع ” أيلا ” في مشروعاته الخدمية – لا مشروعات تنموية حقيقية حالياً ما دام المشروع مأزوم – ونحن ضد المتنطعين والمزايدين في المجلس التشريعي للجزيرة الذين يسعون لتحقيق مصالح ذاتية محدودة على حساب المصلحة العامة .. الجزيرة أكبر من ” محمد يوسف ” و ” الزبير بشير ” و ” عبد الرحمن سر الختم ” و” أيلا ” .
ولكننا ضد المشروع الديكتاتوري للسيد ” محمد طاهر أيلا ” .
لماذا قدم وزير الصحة خطاب حكومة الولاية أمام المجلس التشريعي ولم يقدمه – أيلا نفسه – الذي كان حاضراً لكل الاحتفالات والمهرجانات ؟!!.