الحاسة السادسة
دولة غير مأهولة بالسكان!!
رشان أوشي
بينما أقوم بجولتي الصباحية المعتادة على مواقع الانترنت، لفت نظري تقرير منشور على موقع “الخبر”، عنوانه مثير جداً، “السودان قد يصبح دولة غير مأهولة بالسكان”، بما أن العنوان صادم للغاية، إلا أن المعلومات التي قدمها التقرير لا تجانب الحقيقة، حيث ورد على لسان عالمين أحدهما عالم مناخ في “ماكس بلانك” للكيمياء، والآخر خبير في العلوم الإستراتيجية، وقال عالم المناخ في معهد “ماكس بلانك” للكيمياء، الألماني “جوس ليلفيلد” : إن العواصف الترابية المعروفة محلياً باسم “الهبوب”، ستتحرك مثل الجدران السميكة العملاقة حاملة معها، الرمال والغبار لتدفن المنازل وتزيد كميات التبخر في منطقة تكافح للحفاظ على إمدادات المياه، وتتعرض لتآكل التربة الخصبة القيمة الصالحة للزراعة، بينما أضاف العالم الإستراتيجي أن الحروب الأهلية والنزاعات القبلية ربما تؤدي إلى انقراض السكان في هذه الدولة”. وأضافا:”إن هذا البلد الإفريقي يمكن أن يصبح الأكثر ضعفاً في العالم، وغير صالح للسكن نتيجة لتغيير المناخ والحروب”.
مما لا شك فيه أن آلاف الضحايا سقطوا في حروب قبلية في إقليم دارفور، وأقل منهم عدداً في شمال كردفان، واليوم تطور الأمر كثيراً، وباتت معدلات الصراع الإثني تزحف بشكل مخيف صوب مناطق لم تعرف يوماً حمل بندقية أو إزهاق روح في نزاع حول أرض أو ماء أو كلأ. فالتعايش السلمي الذي عاشته مناطق النوبيين (أصحاب الأرض)، في أقصى الشمال منذ قرون، كانت مثالاً كافياً لإدارة التنوع، فالمجموعات العرقية الأخرى التي تعيش في أراضي النوبيين لم تنفصل يوماً عن المجتمع الأصلي، ومع قليل من الملاحظة، أن إثنيات (البديرية، الهواوير والكبابيش)، وغيرهم التي تعيش في مناطق الشايقية تتحدث بلهجة الشايقية، والعرب والغجر ممن نطلق عليهم (حلب دنقلا) في مناطق الدناقلة والمحس يتحدثون النوبية ويعيشون بين النوبيين وكأنهم أصحاب أرض.
ولكن تفاقمت الأمور مؤخراً، فبعد مجزرة “حاج زمار” التي راح ضحيتها عدد من شباب الطرفين، وتم احتواؤها، اندلع أمس الأول نزاع مسلح بين مجموعة من المستوطنين وبين النوبة في دنقلا، فعاشت المدينة الآمنة نهاراً حالك كسواد الليل، ما يحدث الآن يعتبر مؤشراً خطيراً لتفاقم حدة الصراع القبلي، وثقافة العنف التي سيطرت على العقول والنفوس نسبة لاستطالة أمد الحرب في البلاد، فإن لم تضع الدولة حداً للصراعات الإثنية، سيصبح السودان خلال عقود دولة غير مأهولة بالسكان.