نبشركم بالخسائر أيُّها المضاربون في دمائنا!!
{ الاتفاق الذي أبرمته جمهوريتا (السودان) و(جنوب السودان) أمس الأول، حول ملف النفط، غض النظر عن تفاصيله، أهي (25.8) دولار للبرميل، أم (24) دولاراً، أم (20) دولاراً حتى – وهنا نتعجب لحالة (تعمد إخفاء المعلومات) من جانب الوفدين حول الرقم النهائي المتفق عليه – هو في النهاية اتفاق مهم، وأساسي، بل إنه – في نظري – أهم من جميع الملفات التي تنتظر الحسم خلال الأسابيع القادمة.
{ إنه الاتفاق الأهم، لأنه الضمانة الكبرى لإحياء موات (الاقتصاد) في البلدين، وضخ الدماء في شرايينه، وإنعاشه، وبالتالي دفع عمليات الاستقرار والتنمية والازدهار.
{ الاقتصاد هو (العمود الفقري) للدولة – أي دولة – فإذا أصابه عطب، أصيبت الدولة بالارتعاش، ثم الشلل، ثم العجز عن الحركة، وربما الموت!!
{ والاقتصاد هو (لغة المصالح) في زمن المصالح، وهو المدخل الأساسي للتفاهمات الصحيحة بين الدول والجماعات والأفراد. (ألمانيا بالاقتصاد لا بالجيوش هي الداعم الاول لاقتصاد الاتحاد الأوربي).
{ إذن.. لا معنى، ولا منطق، ولا مبرر أن تقول: (لن اتفق معك حول ملف الاقتصاد – النفط – إلا بعد الاتفاق على ملف الحدود والترتيبات الأمنية)!!
{ هذه سذاجة، إن لم تكن غباء..! ولهذا ظلت الكومة تلقن وفدها المفاوض على مدى شهرين مقولة ساذجة مفادها: (لا تفاوض حول البترول إلا بعد الاتفاق على الترتيبات الأمنية)!!
{ وكنا – وكلام القصار ما بنسمع – نقول: لا.. اتفقوا أولاً حول البترول، لأن ملف الحدود قد يستغرق زمناً طويلاً، وكل شهر يمضي بدون (موارد) – حتى ولو (مليون دولار) – يعني هزة للاقتصاد، وبالتالي هزة للسياسة، وتصدع في المجتمع.
وقد كان، فقد لجأت الحكومة إلى (جراحات) قاسية وعاجلة لإنقاذ (الميزانية)، بل إنقاذ (البلد) كلها، بفرض (زيادات) على أسعار المحروقات، والضرائب، وسعر (الدولار الجمركي)، وسعر الدولار في البنوك، ثم قفزة منفردة في الظلام من وزارة الكهرباء لزيادة سعر (الكيلو الواط)!! ليحترق (المواطن) بنار (المعالجات) الاقتصادية التي تحملها – هو وحده – بينما تخلت الحكومة عن (6) وزراء لا غير، في المركز، في إطار (قسمة الهم والألم)!!
{ والآن.. لا داعي (لركبان الرأس) مرة أخرى، ليدفع الثمن (المواطن) لشهر آخر، أو شهرين أو ثلاثة، حتى يتم الاتفاق على الملفات الأخرى العصية.
{ فليبدأ تنفيذ (اتفاق البترول) فوراً، ودون إبطاء، أو ادعاءات جديدة بالتذاكي والدهاء الأرعن الذي لم يكسب البلاد غير المزيد من الكوارث والنكبات.
{ إن تنفيذ الاتفاق – من ناحية فنية وعملية – يحتاج إلى أسابيع قد تطول وقد تقصر، لأن توقف ضخ النفط أضر كثيراً بالحقول والأنابيب، لتكون الخسائر بمئات الملايين من الدولارات نتيجة تعنت وحماقة الطرفين.
{ ولا شك أن شعبي السودان والجنوب لا تنقصهما المزيد من الحماقات، و(الفيهم مكفيهم).. جوع في الجنوب، ومعاناة في الشمال!
{ إننا في حاجة إلى أن نبشر شعبنا الحزين، بهذا الاتفاق، لا أن يخفيه وفد الحكومة و(يتلبد) ويلقي اللوم على (الجرايد) لأنها أشارت إلى الأرقام!!
{ هذا الاتفاق يعني بالتأكيد (انهيار) سوق الدولار (الأسود)، خلال أسابيع قلائل – نبشركم بالخسائر أيها المضاربون في دمائنا – لأن خزينة بنك السودان ستتلقى نحو (200 – 300) مليون دولار (شهرياً)، هذا غير (مليارات) الدولارات من عائدات تعويض الخسائر الذي التزمت به دولة الجنوب وباعتماد الوساطة.
{ وتبعاً لذلك، فمن المتوقع أن تهبط بدرجة كبيرة أسعار (الدولار) والعملات الأجنبية الاخرى (يورو – ريال – درهم..) قريباً، كما يتوقع أن يعلن بنك السودان (تخفيض) السعر المعلن للدولار مقابل الجنيه فور البدء في ضخ النفط عبر الأنابيب باتجاه ميناء (بشائر) في بورتسودان.
{ إن البدء الفوري في تنفيذ اتفاق النفط، يعني ربط البلدين (بحبل المصالح)، مما (يعجل) بالوصول إلى الاتفاقيات الأخرى في ملفات الحدود والترتيبات الأمنية.
{ مبروك للشعب السوداني اتفاق البترول، ونرجو أن تكون الحكومة قد وعت الدرس، وأن يتم استغلال العائدات – هذه المرة – في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وليس غيرهما، لا في السفر إلى “البرازيل” وغيرها من أقاصي المعمورة، وبناء (الأبراج) وشراء السيارات، والأثاثات واستضافة (المؤتمرات)!!