بعد أن تم الاتفاق على ملف النفط : مفاوضات أديس.. نقطة ضوء في نهاية النفق!!
بعيد مفاوضات ماراثونية وشاقة, استمرت لأكثر من شهر, توصل السودان وجنوب السودان إلى اتفاق بشأن ملف النفط، حيث اتفق الطرفان على أن تدفع جوبا للخرطوم 25.8 دولار كرسوم لعبور برميل النفط من مناطق الإنتاج بجنوب السودان إلى ميناء التصدير ببورتسودان. وقضية النفط هي واحدة من قضايا عالقة بين الطرفين وتشمل الأمن والحدود والمناطق المنزوعة السلاح ومنطقة أبيي المختلف حول تبعيتها، بالإضافة إلى قضايا أخرى متعلقة حول الجنسية والمواطنة وحركة التجارة بين البلدين الجارين. وقال وكيل وزارة النفط “عوض عبد الفتاح”، خلال تصريحات نقلتها عنه وكالة السودان للأنباء، أن الطرفين قد اتفقا تماماً حول قضية النفط, وأن هنالك تفاصيل فنية مازال يجري التشاور حولها.
من جانبه، قال الوسيط الأفريقي الذي يرعي هذه المفاوضات “ثامبو أمبيكي” أن (جوبا ستبدأ في ضخ بترولها عبر أنابيب الشمال قريباً). ولم يحدد “أمبيكي” الذي كان يتحدث بعد جلسة خاصة لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي حول السودان وجنوب السودان, متى سيتم استئناف ضخ النفط, لكنه أشار إلى (التزام الطرفين باتفاقية النفط، وأن مفاوضي الدولتين قد وضعوا اللمسات النهائية كافة لتنفيذ الاتفاق). وقال “أمبيكي” عن الاتفاق أيضاً: (ما سيتبقى الآن هو مناقشة الخطوات المتعلقة بالموعد الذي يتعين مطالبة شركات النفط فيه بالاستعداد لاستئناف الإنتاج والتصدير). ويقول خبراء نفط تحدثوا إلى (المجهر): إن عمليات إعادة ضخ البترول تحتاج مابين 4 إلى 6 أشهر إذا سارت الأمور وفقاً لما هو مخطط له. وأضاف أحدهم، قائلاً: (العمليات المتعلقة بإعادة الضخ معقدة جداً، ويضاف إليها أن عملية الإغلاق تمت بعشوائية شديدة وبدون طريقة علمية، ونتوقع أن تجد الشركات المنفذة الكثير من العقبات).
وليس من الواضح, ما إذا كان سيتم تنفيذ ما توصل إليه الطرفان بشأن النفط بمعزل عن القضايا الأخرى, إلا أن رئيس الوفد السوداني المفاوض “إدريس محمد عبد القادر” أكد أنه لن يتم تنفيذ أي بند في اتفاق ما لم يتم حسم القضايا الأمنية في المقام الأول. وقال، خلال تصريحات صحافية، عقب الإعلان عن توصل الجانبين إلى اتفاق بشأن النفط، إنه (لن يتم تنفيذ أي اتفاق ما لم يتم التوصل إلى حل للقضية الأمنية). كما أن الناطق الرسمي باسم وفد السودان المفاوض الدكتور “مطرف صديق” أكد عقب عودة الوفد إلى الخرطوم، أمس، أن الطرفين توصلا لتفاهمات بشأن النفط (تعد معقولة)، مبيناً أنها توجت باتفاق حول النفط ، وأوضح بأن الاتفاق لا يلبي طموح الطرفين، وكشف عن بداية تنفيذه عقب التوصل لتفاهمات بشأن القضايا الأمنية عقب عيد الفطر. غير أن القائم بأعمال سفارة جوبا في الخرطوم “كاو نك موبير” قال إن بلاده مستعدة لتنفيذ أي اتفاق توصل إليه الجانبان علي وجه السرعة. وقال خلال حديثه لـ(المجهر) بشأن المباحثات الجارية حالياً (أن بلاده مستعدة فعليا لتنفيذ أي اتفاق بمعزل عن أي اتفاق آخر ما دام الطرفان قد اتفقا على كل التفاصيل). وتابع قائلاً: (الجيد في الأمر أن خطة الوساطة الأفريقية الجديدة بجعل التفاوض كله كحزمة واحدة ومناقشة كل القضايا الخلافية في ذات الوقت قد نجحت إلى حد كبير حتى الآن). وقبيل التوصل إلى اتفاق بشأن ملف البترول كان الوفد السوداني يصر على مبلغ 36 دولاراً نظير معالجة ومرور بترول الجنوب عبر أنابيب النفط الطويلة في الشمال, فيما كان وفد جنوب السودان يعرض اقل من دولار كرسوم عبور, ولكن بعد مفاوضات شاقة, وجهود أخرى بذلها الوسطاء الأفارقة والخبراء الغربيون في أروقة المفاوضات، وبعد تدخل مباشر من رئيسي البلدين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت”, قدم الطرفان تنازلات مقدرة أدت إلى الوصول إلى منطقة قريبة ومرضية للطرفين. ويلاحظ أن الاتفاق جاء بعد المكالمة الهاتفية التي أجرتها وزيرة الخارجية الأمريكية بوزير الخارجية “علي كرتي”, ومن ثم لقاؤها برئيس دولة جنوب السودان “سلفاكير ميارديت”, وماطلبته من الطرفين بعد ذلك بضرورة تقديم التنازلات المطلوبة, والابتعاد عن المواقف المتصلبة. كما يلاحظ أيضاً أن المبعوث الصيني لأفريقيا الذي زار الخرطوم وجوبا في وقت سابق قد طالب الدولتين الجارتين بتقديم التنازلات المطلوبة (إن أرادا الخروج من الأزمة التي يعيشان فيها).
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الدكتور “صفوت صبحي فانوس”: (إن السبب الحقيقي للتوصل إلى اتفاق بشأن النفط هو تقديم التنازلات المطلوبة). وقال لـ(المجهر)، خلال اتصال هاتفي، (إن أي طرف مفاوض يجب أن يكون مستعدا لتقديم تنازلات إن أراد مفاوضات جدية, وإلا فلا جدوى من التفاوض أصلاً.. واعتقد أن اتفاق النفط إن صح أن الجنوب قد وافق علي دفع 25.8 دولار للبرميل فهو أمر جيد، وأرى أنه انتصار للمفاوض السوداني).
غير أن هنالك مخاوف مازالت موجودة حول مقدرة الطرفين للتوصل إلى تفاهمات مرضية حول بقية المسائل، وخاصة ذات الطابع الأمني مع أن الوسيط الأفريقي، قد أكد أن الطرفين قد تجاوزا مانسبته 80% فيه. وتبرر هذه المخاوف بأن القمة الثانية التي كان مزمع قيامها بين الرئيسين الأسبوع الماضي بأديس أبابا بعد ما اعتذر الرئيس “البشير” بداعي (عدم الترتيب الجيد للقمة ووجود ملفات عالقة). كما أن العلاقة بين الخرطوم وجوبا لم تعد إلى مرحلة التطبيع الفعلي بسبب وجود قدر كبير من الريبة والشك وعدم الثقة بين قيادات البلدين, كما قال بذلك وزير الخارجية “علي كرتي”، خلال تصريحات له في وقت سابق من الشهر الماضي. ويرى “فانوس” أن هنالك متطلبات محددة يحتاجها قادة البلدين والوفدين المتفاوضين من أجل التوصل إلى تفاهمات حول بقية القضايا العالقة، قائلاً: (لابد من أن يناقش كل شيء على طاولة المفاوضات بما فيها قضية الحركة الشعبية بقطاع الشمال؛ لأنه حتى ولو تم اتفاق بين الشمال والجنوب ولم يتم الاتفاق مع قطاع الشمال فإن هذا ربما يكون عامل تهديد لأي اتفاق). وتابع “فانوس” يقول: (كما يجب تهيئة الأوساط الداخلية لأي اتفاق محتمل, خاصة بعد أن وصل التوتر مرتبة عالية وبروز تيارات رفض لاي تقارب سواء في الخرطوم أو جوبا).