عابر سبيل
ابراهيم دقش
الذين فكروا في تكريم ابن “أم درمان” والسودان الدكتور “منصور خالد عبد الماجد”، لهم منطلقهم ومنطقهم المتمثل في إسدال الستار على تكريم الأشخاص بعد عبورهم إلى الضفة الأخرى، وفي رفض المقولة السودانية القديمة “إن شاء الله يوم شكرك ما يجي”، باعتبار أن الشكر والتكريم يكون في وجود الشخص مستحق التكريم.
و”منصور خالد” من (فصيلة) سودانية خاصة، فهو ابن بلد يتدثر بأثواب مختلفة، فهو كاتب ومفكر، يدرك ما يكتب ويتحمل عقابيل ما يبشر به ويدعو إليه.. وهو سياسي دخل بهو السياسة من أول السلم، وتقلب في مسالكها ودروبها عن قناعات تخصه، وهو دبلوماسي منظم ومرتب صقلته تجربته في المنظمات الدولية والمنظمات الكبرى ذات العلاقة والرسالة المحددة مثل اللجنة العالمية للبيئة.. وهو “بحاثة” في مجالات مختلفة، لعل أغربها بالنسبة للكثيرين اهتماماته الفنية “أرخ” لها، وبالأمثلة والشروح والمفارقات والمقارنات والمقاربات.. هل “منصور خالد” (لبرالي) أم تقليدي أم متعالي أم محافظ أم صوفي في ثياب الحداثة أم هو انطباعي أو مزاجي أم هو “رجعي” في أعماقه لكنه تمرد وتحرر في حدود السودانية ومقتضياتها؟.. وتلك الحزمة من الأسئلة لا إجابة لي قاطعة عليها رغم أن خلق الله عندنا يسرفون في تصنيف البشر خاصة عندما يقفزون إلى صدارة الأحداث أو يصلون مراحل التأثير أو يتبوأون المناصب أو حتى يكون لهم عطاء أو بروز في المجتمع. و”منصور خالد” له القدح المعلى في معظم تلك الصفات، ولهذا تداعت وانداحت الآراء و التصنيفات عليه.. ولو سئلت عنه لما زدت عن القول بأنه مثقف خلوق!.. أعرف “منصور خالد” وأعرف عنه، فقد عايشته خارج الحدود ، وتابعته كإنسان ينتمي لحينا المأهول في “أم درمان”، وأكثر ما أعجبني فيه ترفعه عن الصغائر وعن “الدناوات”، لكن هذا لا ينفي أنه في النهاية بشر .. عندما جاءوا به وزيراً للشباب في 1969 وقف الدفار الذي يحمل “كشك” الحراسة عند دار أسرته في (ود اللدر) .. فسألت والدته العسكر عن الكشك، فردوا بأنه لحراسة الوزير.. فسألت عمن يكون الوزير، فقالوا لها إنه ابنك فما كان منها إلا أن طلبت منهم العودة بالكشك من حيث أتوا به “نحن حارسنا جامعنا”.. تقصد جامع جده الشيخ “عبد الماجد”.. وعندما تولى وزارة الخارجية في السبعينيات ونظم دخولها وخروجها وأرسى قواعد عملها.. أشاعوا أن لـ”منصور” في الخارجية (أولاداً) ولم يكونوا سوى أفضل كوادر تلك الوزارة في ذلك الوقت!.. داعبته ذات يوم بأن أجداده كانوا يعيدون الصلاة عندما يؤمها الخليفة “عبد الله”، الذي لما علم بالأمر عن طريق الوشاة حبسهم تحت السرادب فقامت الوساطات وقعدت، مما اضطر الخليفة لفك أسرهم مع تحذير: “عيال السرة أنا بفكهم، لكن السوهو في البلد دي تشوفو عينكم”، فسألته “ماذا سترى عيوننا يا ترى”، و اكتفى بابتسامة ساخرة.. ذاك هو “منصور خالد”!