شهادتي لله

نحتاج إلى نقل العدوى المنتجة !

المصريون لا ينامون، في الغالب يصلون الليل بالنهار، فالقاهرة مدينة لا تألف النعاس، وهكذا انتقلت العادة للسودانيين من خلال زياراتهم الكثيرة والطويلة لأم الدنيا، هذا غير الآلاف من بني جلدتنا الذين استحلوا الإقامة في بلد الحضارة .. المقاهي والحكاوي .. الظرافة والطرافة .. والعمل آناء الليل و أطراف النهار.
وليتنا أخذنا من المصريين كدحهم في أعمالهم بجدية مدهشة و إخلاص متناه آناء الليل وأطراف النهار.. أياً كانت المهنة حتى ولو كان جرسون في ملهى بشارع الهرم !
صديقي الحلفاوي اللطيف ” موافي ” صاحب محلات (سدرة للحلويات) بالخرطوم، يعجبه حد العجب أن يرى رجلاً مسناً في (السبعين) من عمره، وتجده يضع البدلة الكاملة محلاة بربطة العنق .. آخر الليل، وهو يقف في محل تجاري أو  استقبال مطعم أو فندق، حتى ولو كانت مهمته محصورة خارج المكان في توجيه الرواد إلى المدخل: (اتفضل يا باشا.. أنت نورتنا .. من هنا يا أفندم) !! صديقنا يقول: إن الذين في عمر هذا الرجل أو ذاك في السودان، غالباً ما يكونون في مثل هذا الوقت على أسرتهم، ممددين في الحيشان، مستغرقين في نومة عميقة، بالعراقي والسروال .. أو بدونه !
وهو يقصد أن المصريين كادحون من المهد إلى اللحد، نعم من المهد.. وقد استرعى انتباهي منظر الأطفال في سن الروضة على ظهور (المواتر) خلف آبائهم دون ساتر، والمواتر تجري في شوارع القاهرة كالريح، والطفل ثابت لا يبكي ولا يخاف !!
قد تتشابه الصور في شوارع المدن ” الهندية “، حيث تجد الأسرة المكونة من خمسة أشخاص على ظهر دراجة بخارية، فلا مال يدفعونه لتاكسي أو أمجاد !!
البلاد المكتظة بالسكان مثل ” الصين “، ” الهند ” و ” مصر”  تبتكر شعوبها البدائل لتحيا، وتشقى في وسط الزحام لتعيش .
ونحن في السودان رغم فقرنا .. مترفون، قد لا يعجب هذا الكلام بعضنا، ولكنها الحقيقة بأم عينها، غير أننا مكابرون .
المواصلات في القاهرة لا تعرف التوقف من الصباح إلى الصباح، داخل المدينة وإلى المدن الجديدة خارجها، الناس تجري على (أكل عيشها) في سباق مليوني ماراثوني .. رغم المعاناة والضنك، التاكسي يعمل على ورديتين بسائقين، الأول من الساعة السادسة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، ثم ترتاح العربية ساعتين حتى السادسة، ثم يستلمها سائق آخر حتى الرابعة صباحاً.. على أن يملأ كل سائق خزان الوقود ويسلمه كما كان (مفول)، ويلتزم صاحب السيارة بغيار الزيت !! هكذا حكى لي سائق تاكسي من ” إمبابة ” أحد أعرق الأحياء الشعبية، فهل هناك تاكسي أو حافلة أو أمجاد تعمل بهذا النظام في ” الخرطوم ” ؟!
سائقو الحافلات والبصات عندنا يهربون من موقف ” كركر ” أو ” بحري ” أو ” الشهداء ” بأم درمان فور اكتمال عدد        (الفردات) .. جمع فردة  !! وقد تكتمل فرداتهم (السجمانة) عند الثالثة عصراً، فيكملوا باقي اليوم (كوتشينة) في النادي أو على شارع النيل .. شارع المليون ست شاي!!
نحتاج أن ننقل العدوى لأنفسنا .. العدوى المنتجة، بدلاً من نقل العدوى والعادات الضارة من الشعوب الأخرى، كالسهر الفارغ والفيروسات والاحتيال والاستهبال .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية